كثيرة هي معاني الانتصار في مدينة حلب وأريافها بعد سنوات من الحرب المتعدّدة على مختلف الجبهات في مختلف الأحياء والقرى في المحيط، ذلك لأنّ الحرب استمرت سنوات عدة ووقعت خلالها خسائر كبيرة في الأرواح والممتلكات.
1 ـ في المسلمات: إنّ الذين تشاركوا في الحرب على سورية في مختلف المدن السورية، وخاصة في مدينة حلب، يفوق تعدادهم الألف جهة خارجية من دول ومنظمات بدءاً من الولايات المتحدة الأميركية وصولاً إلى عدد كبير من الدول الأوروبية وكثرة من الدول الرجعية العربية.
جميع هؤلاء كانوا يريدون تقسيم سورية وتفتيت أرضها وتمزيقها إرباً إرباً. ذلك باستهداف الجبهة المواجهة مواجهة فعلية للعدو الصهيوني.
إنّ المعركة إذاً هي معركة تهدف إلى تحقيق المخطط الصهيوني الذي ابتدأ منذ توقيع اتفاقية سايكس ـ بيكو عام 1916 من القرن الماضي.
2 – كان تقسيم الأمة السورية ومن ثم الدول العربية كافة مقدّمة لزرع الكيان الاستيطاني اليهودي في فلسطين. وإذ قامت هذه الدولة المغتصبة، كان لا بدّ من تحصين وجودها بتعزيز قدرتها العسكرية وتوسيع مناطق تواجدها التي لا يتوقف العدو من امتلاكها بالقوة والبطش والهيمنة وبادّعاء التشريعات والقوانين.
3 – إنّ أساليب المواجهة لهذا المخطط الاستيطاني الرهيب كانت متعدّدة: فمنذ انطلاق المقاومة المسلحة في 1965 إلى اعتماد نهج القتال بوجه الإمبريالية العالمية في الأرض والسماء، لم تهدأ حركة الفلسطينيين في التصدّي للعدو الصهيوني وهو ما يزال يدفع الأثمان الغالية من أرضه وحياة أبنائه إلى اليوم.
في هذا السياق، تتخذ المقاومة أشكالاً متعددة، فهي تارة إضراب وتارة بندقية وتارة سكين تغرز في صدر الجنود الإسرائيليين .
إنّ مقاومة الفلسطينيين، مقاومة لا مثيل لها، هي مشابهة لمقاومة الشعب الكوبي ومقاومة الشعب الفيتنامي. فتلتقي في فلسطين كلّ أشكال الصراع المسلح وغير المسلح وصولاً إلى تحقيق الأهداف في العدل والحرية والحياة.
4 – في هذا المجال، مجال الصراع من أجل استعادة الأرض والحرية، لم تحقق الاتفاقيات الدولية أيّ مطلب حقيقي من مطالب الفلسطينيين، لا في تثبيت حق العودة ولا في إقامة الدولة.
هنا لا بدّ من تأكيد أنّ اتفاقية أوسلو وغيرها من الاتفاقيات لم تكن إلا من جملة التنازلات التي لم تؤدّ غرضاً لا في إقامة الدولة ولا في استعادة الأرض المغتصبة.
5 – إذا كانت هذه هي مسارات المقاومة والمساعي الفلسطينية، فإنها كلها لم تؤدّ إلى نتيجة في إثبات الحقوق الفلسطينية وإقامة الدولة. ذلك لأنّ جوهر الصراع مع العدو الصهيوني ليس جوهراً فلسطينياً فحسب، جوهر الصراع هو جوهر قومي بامتياز. إذ إنّ حصر الصراع على المستوى الفلسطيني يوصل إلى جملة من النتائج التي وصلت إليها المسألة الفلسطينية إلى الآن. وهذه النتائج هي عبارة عن جملة من التنازلات تليها تنازلات كثيرة، من أوسلو إلى جنيف، إلى غيرها من التسليمات، كلّ هذه الأمور جملة من الشعارات الفارغة التي لا تقود إلى إثبات الحق القومي في فلسطين.
6 – لما كانت فلسطين هي جوهر القضية القومية كان المسعى الصهيوني ـ الغربي الاستعماري هو تدمير هذا الجوهر، وحتى يصل إلى ذلك كان لا بدّ للعدو أن يمضي بمخططه إلى تدمير الموقف السوري الذي هو الموقف المساند لمقاومة شعبنا في فلسطين، باعتبار أنّ المسألة الفلسطينية مسألة قومية في الصميم.
على هذا المستوى، إذا كانت كلّ هذه الحرب التي تشنّ منذ أكثر من خمس سنوات على سورية، وذلك من قبل أكثر من ثمانين دولة في العالم، فإنّ الهدف الأساسي من هذه الحرب هو ضرب الموقف السوري المساند لفلسطين باعتباره الموقف القومي الوحيد الذي ما زال يؤمن بشرعية النضال الفلسطيني في الوقت الذي تتهاوى فيه جملة المواقف الغربية باتجاه المخططات الإمبريالية والأميركية.
7 – إنّ الانتصار الذي تحقق في مدينة حلب هو انتصار يعود الفضل فيه لتضحيات الجيش السوري الذي يترجم سياسة القيادة السورية الواضحة في تبنّي ودعم المقاومة في فلسطين ولبنان والأمة.
والانتصار على الإرهاب في حلب، هو هزيمة للدول الأوروبية التي سحبت كلّ ديبلوماسييها من سورية وأعلنت عن عدائها للأمة مجتمعة، وهزيمة أيضاً للسياسة الأميركية التي تدعم إسرائيل ، وتدعم تركيا التي لم تترك وسيلة إلا استعملتها لإسقاط الدولة السورية.
جميع هؤلاء، أوروبيين وأميركيين وأتراكاً ورجعيين عرباً، سوف يدفعون الثمن غالياً، على أيدي شعوبهم التي لا بدّ لها أن تحاسبهم على أفعالهم غير الإنسانية ودعمهم للإرهاب وقتل الشعوب.