يعيش حاليا المسيحيون في لبنان، حالات تتوزع بين كل من القناعة الموضوعية والواقعية العملية أو الرفض المبدئي، اذ عكس مسار تطورات المنطقة وحروبها على الوسط المسيحي تجاذبا جعله موزعا بين هذه الحالات الآنفة الذكر وفق الآتي :
ـ الأولى وهي حالة القناعة التي يمثلها كل من تكتل التغيير والاصلاح وتيار المردة والحزب القومي السوري الاجتماعي عبر قياداتهم ومحازبيهم لناحية الاطمئنان للعلاقة مع حزب الله بحسب مصادر مسيحية، وكذلك مع النظام السوري الذي يرأسه بشار الأسد ومن بعده العلاقة مع ايران التي تشكل السند الاساسي لهذه الجهات الاقليمية والمحلية، في مقابل كونها جمهورية اسلامية أكثر انفتاحا من غير دول اسلامية اضافة الى انها القيادة المركزية لقتال التطرف الاسلامي وما نتج منه اسوة بـ«داعش» و«القاعدة».
وفي منطق هذا الفريق بأنه ربح المعركة بانتخاب الرئيس ميشال عون رئيسا للجمهورية وبإقرار من منافسه رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية على حساب خيار قوى 14 آذار بتنوعها المذهبي والسياسي التي تفاخر بإيصالها عون الى قصر بعبدا.
على الرغم من الخلافات فيما بينها تنظر هذه الشرائح الى حزب الله وأمينه العام السيد حسن نصرالله، على انه الحليف الصادق والضامن للمسيحيين وان قتاله الارهابيين حتى قي سوريا هو خطوة صائبة على ما تدل اعمال هولاء في عدة مناطق وهي بذلك حملت حماية للمسيحيين الذين تعرضوا لتهجير واضح من قبل الجانب الإرهابي.
ـ الثانية: تكمن في الواقعية، التي يمثلها في الآونة الاخيرة عدة قوى في فريق مسيحيي 14 آذار الذين يعتبرون أنهم تعبوا من التجارب والمواجهة مع النظام السوري وحزب الله وتمدداتهما بعد ان لمسوا لمس اليد أن هذا المحور كان يحقق النتائج على حسابهم، وتقول المصادر المسيحية، ويستطيع أن يوصل حلفاءه لتبوؤ أعلى المسؤوليات والتحكم بالقرار السياسي منذ بداية الأحداث اللبنانية وصولا الى انتخاب عون رئيسا، في مقابل عجز فريقهم عن تحقيق أي مكسب على خلفية رفعه شعارات سيادية، وما زاد الطين بلة ان هذا الفريق المسيحي لم يتوقف أمام غياب أي مرجعية دولية ضامنة له فقط على مدى عقود من التحيات التي واجهها نفيا، اعتقالا واغتيالات، بل وجد أن دول التعاون الخليجي تركت لبنان سنوات متخلية عن اقرب حلفائها من أهل دينها ما دعاهم الى التمعن في صحة هذه السياسة العربية وحضانتها لحلفائها في مقابل السياسة الايرانية وحمايتها لحلفائها الى حد مواجهة القوى الدولية العظمى دون تردد.
وبات في هذا الوسط نوع من القناعة بأن سلاح حزب الله لا يعني المسيحيين بقدر ما يقدم هؤلاء الاهتمامات المعيشية والاقتصادية وأن ما قدموه في السابق من تضحيات لم يلق نتيجة تفوق المعادلة الاقليمية على العمل السياسي السليم والديموقراطي.
وشكلت الحرب السورية الشعرة التي قصمت ظهر البعير بعد التمعن الذي كانوا يسقطونه على واقعهم اثر مراحل من الاخفاقات كنتيجة للتسويات الدولية على حسابهم بما عزز ارتفاع قلقهم، اذ ان كل دول مجلس التعاون الخليجي لم تستطع انقاذ ابناء امتها في سوريا ولم يتمكنوا حتى من ايجاد حل متوازن فخسرت كل القوى المدعومة خليجيا في مقابل الربح الذي تتوزعه كل من روسيا، ايران، الأسد وحزب الله.
لذلك تبين لهذا الفريق المسيحي أن القوى السياسية السنية في كل من لبنان وسوريا وعلى مدى الاقليم تخسر أمام فريق الممانعة فليس من الطبيعي اذا أن يتوافر للمسيحيين غطاء يمكن أن يشكل لهم حماية كلامية ومعنوية وضمانة على غرار الأزمنة السابقة مما دفع بهم الى التموضع في حالة الانكفاء تحت شعار التمسك بالدولة كونها القادرة على حماية جميع أبنائها. وبعيدا عن شعارات المواجهة والمخاصمة بعد الذي وجدوه من حرص على حماية شبكة التواصل المحمدي من قبل كل من المستقبل، أمل والحزب التقدمي الاشتراكي.
وقد بدا واضحا مؤخرا، غياب الخطاب المعادي بحدية لكل من حزب الله والرئيس الأسد على قاعدة «البراغماتية الضرورية» عدا أن التفاهم بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية غيّب الاتهامات ذات الصلة بتحالف كل منهما مع محور اقليمي بما أدخل حالة هدوء في الخطاب السياسي الذي كان منطلقه الالتزامات الاقليمية لهذين الجانبين.
ـ ثالثا: الرفض سيما ان ثمة مجموعات تتعاطى الشأن السياسي على قاعدة رفض مطلق وأزلي لسياسة الممانعة وهي لا تزال تصوب على مثلث الضاحية - دمشق - وطهران متعاطية مع هذا الأمر من خلفية مبدئية وسياسية رافضة بذلك التأقلم مع التحولات التي يقودها هذا المحور الممانع في رأي المصادر، لانها تجدها ظرفية وقد تعود لمصلحتها على وقع ميزان دولي جديد وقرارات من مجتمعه تضبط الدور الإيراني ام من خلال صدمة جديدة ينتجها تحالف «ربما مستبعد وغير متوقع» يخلط أوراق المنطقة ميدانيا بشكل عكسي على غرار التزامن الذي رافق «كامب ديفيد» وانطلاق الثورة الإسلامية الإيرانية بحيث يأتي الاستنساخ النوعي لهذا الاتفاق تطويقا للتوسع الإيراني.