ليسَ الذنبُ ذنبَك يا البسّام، يا البرّاك. هأنذا أقرُّ أمامَك وأمام من منحني سُلطة الكلِم: أخطأتُ إذ برّأتُك منذ عام. ما استحقَقتَ أن أفكَّ أصفادَ يدَيْك المُمعنتَيْن في الصَوغ والحَوك والسَبك والجَود. ما استحققتَ أن أهدِيَك عهدًا جديدًا من البَرء.
أقفُ حائرًا أمام تلك الفوضى كلِّها: أأنبُش على شاكلةِ ما فعلتَ من اللغة عصورًا؟ أأنهل من أعبابٍ ضاحكةٍ ضحكةً وأنا المقترفُ المعترفُ بحلاوةِ جريمتِك ومرارةِ تبرِئتِك؟ أما وقد أمسى البَوْءُ بكَ الى السجن أو المنفى ظلمًا، وتبرئتُك ظلامًا، أسأل نفسي وأسائلُها: أيرتاح منكباي وتهنأ نفسي ويُكبَح فيضُ مدادِك متى كتبتُك وكاتبتُك بالعاميّة المحكيّة بلا ضوابطَ نحويّة وصرفيّة؟ أأنقطِع عنك وأهجر ما أحبُّ وتحبُّ كي لا يعدِيَني جُرمُك فأغدوَ شريكًا مخطّطًا ومنفذًا؟ أأشيح بحواسي عنكَ بعدما اعتادت في اللغةِ عيناي العمى، وأذناي الخَدش؟
عبثًا سأفعل يا البسّام. ستُحبِط محاولاتي مجددًا، وستتآمرُ العاميةُ معك وتتغارفُ حروفها لتغرفَ من غَرفاتِها غَرفًا يستحيل ضادًا. ستتشكّل تلك الأحرفُ من عنديّاتها، ستُحرِّك نفسَها بنفسِها بلا إذنِك وإذني وفاءً لك. ستمنحُك حروفُك التخفيفيّة أسبابًا تخفيفيّةً، وتوليك أحرفُك التفخيميّة لقبًا فخاميًا، فتغدو هي، بالإذن من “رئيس بلادي”، فخامة اللغة... وأنتَ فخامة البرّاك.
فخامةٌ أنتَ يا بسّام، لأنّ الشغورَ لا يعرفُ الى كرسيِّ ياءاتِك منزلًا أو منزلةً.
فخامةٌ أنتَ يا بسّام، لأنّ التأليفَ الذي أنتَ مكلَّفٌ به لا تعرّيه شرطيّاتُك وشروطُك. كيف تجرؤُ ومنها الخدماتيّةُ لخدمة المعنى والسياديّةُ وأنتَ سيّدُها وأنطونيّتُك سيدتُها الأولى.
فخامةٌ أنتَ يا بسّام، لأنّ مجلسَك لا بل مجالِسَك لا تعرفُ شللًا أو عَللًا، ولجانُك تصوِّبُ قاعدةً وقانونًا ولا تصوِّبُ عليهما.
فخامةٌ أنتَ يا بسّام، لأنّ ألِفَك دائمًا مرفوعة كرايةٍ لا تُنكَّس؛ وياءَك لا تنفكُّ تخفّفُ اهتمازَ طائفها فتضحى بصلاحيّاتِها كرسيًا للأقوى؛ وواوَك تنتصر في غير محلّ العطف لذكرٍ جماعيٍّ وذاكرةٍ جماعية.
فخامةٌ أنتَ يا بسّام، لأنَّك أقسمتَ أمام الشعب بأن تحترمَ لغتَك وتصونَها، وعاهدتَه بأن تكونَ لها رئيسًا وحرسًا ومستشارًا.
فخامةٌ أنتَ يا بسّام، لأنّ ضميرَك لا استتارَ فيه، وفعلَك لا اجتهالَ فيه، وإدغامَك - كوفيًا كان أم بصريًا- لا إسكانَ فيه، وجناسَك تَجَؤُه بأنسمةِ مُقترفاتِك لا بحَجريّةِ عصرِها... وعصرِها.
فخامةٌ أنتَ يا بسّام، لأنّ “تمديدَك” الأيتمَ يصيبُ ألِفًا لا آلافًا وملايين، ويحفظُ حقَّ حرفَين إنْ تلاحَما ما نالت منهما حركة.
فخامةٌ أنتَ يا بسّام، لأن حقيبةَ أفعالِك لا “نصبَ” فيها، وسلّةَ إعرابِك لا “تسويةَ” فيها، وتبلوراتِ إملائِك لا “إملاءات” فيها.
فخامةٌ أنتَ يا بسّام، لأنّ نحوَك شرفُك، وصرفَك تضحيتُك، وإملاءَك وفاؤُك.
فخامةٌ أنتَ يا بسّام، لأن لغتَك عمادُكَ برتبةِ نجمةٍ تنيرُ دربَ ماجوسِنا نحو مذودِ فُكَرِك.
فخامةٌ أنتَ يا بسّام، لأن نشيدَك الوطني ترنيمةٌ على شفتيْك المبلّلتَين بميرونٍ تغطّست فيه أصابعُك فرشّته حنجرتُك في نواصي نفوسِنا التوّاقة الى كَشطِ الغبار عن لغةٍ ما كَشِئنا (شبِعنا) منها، وتلقّفته أرواحُنا المِهبابة اليومَ وسرمدًا الى فخامتِه... وفخامتِك!