التصريح الذي أدلى بها النائب سليمان فرنجية بعد انتخاب الرئيس عون مباشرة، أظهر أن الرجل زاهد بأي منصب وزاري، وهذا ليس بمستغرَب عنه، لأنه يعتبر أن موقعه السياسي هو هو مادامت خسارته المقعد النيابي عام 2005 جعلت منه أكثر زعامة، مع تعاطف شعبي تعدى منطقة الشمال، وفحوى هذا التصريح أن مشاركته في أية حكومة تتوقف على الوزارة التي قد تُعرض عليه، وهو الذي أجاد الانسحاب الهادىء من السباق الرئاسي، وطلب من الرئيس بري وسائر الراغبين بانتخابه، الاقتراع بورقة بيضاء، لكن إذا كان النائب فرنجية يعلن أنه لا يرغب المشاركة بالحكومة إذا لم تكن الوزارة المعروضة وازنة، فإن هذه المشاركة يصرّ عليها الرئيس الحريري، الذي أطلق على حكومته العتيدة مسمى "حكومة الوحدة الوطنية"، ولن يقبل بحكومة يكون "تيار المردة" خارجها، والرئيس بري الذي أخذ على عاتقه التفاوض بشأن وزارات حزب الله، والنائب فرنجية لن يفرّط بحقوق أي من الفريقين، إضافة إلى أن الرئيس ميشال عون لن يوقّع مرسوم تشكيل حكومة يغيب عنها وزير لـ"المردة". كان المطلب بداية أن يحظى فرنجية بوزارة خدماتية هامة، كأول ردة فعل مُحقّة على خلفية ما تداولته بعض الأوساط وتسرّب إلى وسائل الإعلام؛ أن "القوات اللبنانية" حاولت "القوطبة" على "الكتائب" و"المردة" وحرمانهما من التوزير، ما دفع فرنجية إلى التصعيد، فأعلن ما يعتبره من حقوقه الطبيعية: "يبدو أن الشاطر بشطارتو في تحصيل قطعة من هذه الكعكة، وبناءً عليه فإن مشاركتي في حكومة الخمسة أشهر لا تكون إلا من خلال حقيبة سيادية سبق أن نلت واحدة منها، وأي رفض لهذا الطلب سيجعلني خارج الحكومة، وسأكون رأس حربة المعارضة، وسأخوض الانتخابات النيابية منفرداً، أياً يكن القانون، فإذا فزتُ مع لائحتي أكون قد فزت، وإذا خسرت أكون قد خسرت بشرف، وسأكون على رأس معارضة العهد والحكومة". وزارة سيادية تعني إما الدفاع أو الخارجية، وإذا كانت "القوات" قد حُرمت من كلتيهما، فلأن "الدفاع" عزيزة على الرئيس العماد؛ تماماً كما بذلة الجيش اللبناني، والخارجية هي حصراً للفريق الذي ينتمي إليه النائب فرنجية، وهي ما كانت مستبعَدة عنه لو نشطت اتصالات تهدئة الخواطر مع رئيس الجمهورية، لأن الكيمياء التي تجمعه بالرئيس عون لم تنعدم، وهي قابلة للتفعيل وإعادة وهج العلاقة، حتى وإن كانت هذه الكيمياء غير موجودة نهائياً بين النائب فرنجية والوزير جبران باسيل إلى حد عدم المودة المتبادلة، منذ زار فرنجية باسيل في منزله قبل عدة شهور وتأخّر الأخير في استقباله عشر دقائق، وصولاً إلى رفضه مؤخراً استقبال باسيل والبحث معه مباشرة بالحلول، خصوصاً أن علاقة باسيل بعين التينة ليست على ما يرام حالياً، ومن لا يُرضي الرئيس بري حالياً لن يرضي فرنجية، مع اختلاف الأسباب؛ الرئيس بري منزعج من ثنائية جبران باسيل ونادر الحريري، والتي اعتبرها مساساً بالمثالثة، وفرنجية ناقم على أحادية المهندس باسيل في هندسة المحاصصة المسيحية. الرئيس عون وجّه دعوة مفتوحة لكافة السياسيين للحديث عن هواجسهم، فاعتبر النائب فرنجية
أنه غير معني بها، لأن لا هواجس لديه، ثم جاءت مساعي "فنجان قهوة" مع الرئيس، فاعتبر فرنجية ربما أن ارتشاف القهوة مع الرئيس يلزمه بعض الوقت والمزيد من مساعي الخير، وهنا يبرز دور السيد حسن نصرالله، الذي يجد نفسه دائماً في موقف "هيدي عين وهيدي إختها" عندما تكون المسألة مرتبطة بالحليفين العزيزين الرئيس عون والنائب فرنجية، وإذا كان الرئيس بري أبدى استعداداً للتخلي عن وزارة خدمات، كالأشغال، التي باتت سيادية أكثر من كل الحقائب السيادية، لأنها أكبر رأسمال لخوض الانتخابات النيابية بالنسبة للبعض، فهذه الوزارة لا يحتاج إليها الرئيس بري، لأن حقوقه محفوظة في أي قانون انتخاب ستجرى بموجبه الانتخابات، ولا النائب فرنجية يحتاج إليها كما باقي الأقطاب، وهو فائز، وبجدارة، مهما كان قانون الانتخاب، وفي أي وقت تحصل هذه الانتخابات، ودون أن "يفلش" زفت وزارة الأشغال، وإذا كانت عقدة التشكيل عند حقيبة "تيار المردة"، فالحل هو حصراً ضمن "أبناء البيت الواحد" الحريصين على كل مدماك فيه، وسط التطورات الإقليمية المبشّرة بانتصار خيارات هذا البيت، ولن تقف وزارة حجر عثرة أمام وحدة فريق صمد سنتين ونصف ليوصل مرشحه الأقوى إلى رئاسة الجمهورية، ولن تُزعزع تماسكه حقيبة وزارية، سواء كانت سيادية أو خدماتية، والسيد نصرالله قادر على حلحلة العُقد، والمسألة مسألة وقت، خصوصاً أن التمديد التقني للمجلس النيابي بات بحكم الواقع، ولا داعي لاستيلاد حكومة عبر عملية قيصرية عاجلة.