لم تنتهِ بعد مفاعيل الصدمة التي واجهت الاميركيين والعالم باختيار دونالد ترامب رئيساً منتخباً للولايات المتحدة الاميركية، ولو ان حدتها باتت اخف نسبياً في الداخل الاميركي، واكثر استيعاباً على المستوى الدولي.
فوفق ما تم تسريبه في وسائل الاعلام من اسماء يرغب ترامب في تعيينها لتشكل اولى حكومات عهده، بدأ الكثيرون يتحدثون عن "نقزة" و"قلق" من هذه الاسماء والمراكز التي ستتسلمها وطريقة عملها، اضافة الى النقص في الخبرة الكافية لتولي مسؤوليات على مستوى دولة كبيرة كأميركا.
الانتقادات لهذه الخيارات عديدة ولكنها تصب في شقين: الاول هو عدم تولي الشريحة الكبرى من الوزراء الذين سيتم تعيينهم، اي منصب عام طوال فترة حياتهم، والثاني هو ان هؤلاء سيتولون مناصب تناقض افكارهم ومواقفهم وطريقة عملهم.
ويشدد المنتقدون مثلاً على ان ريكس تيلرسون (الرئيس التنفيذي لشركة "اكسون موبيل") والذي سيتولى وزارة الخارجية، والجنرال المتقاعد مايكل فلين والذي سيكون مستشار الامن القومي، وستيفن منوشن الذي سيكون وزيراً للمال، وغيرهم لا يملكون في خلفيتهم اي تماس مع الوظائف العامة، اي انهم على غرار ترامب لم يختبروا الحياة العامة بل اكتفوا بخبراتهم الشخصية في القطاع الخاص وفي الجيش.
هذا الامر ركّز عليه المنتقدون لسياسات ترامب وخياراتهم، لانهم اعتبروا ان الرئيس المنتخب لم يتأقلم بعد مع دوره الجديد، وما زال يتصرف على اساس انه يعيّن اناساً في شركاته الخاصة وليس على نطاق دولة، ودون ان يأخذ في الاعتبار تأثير القرارات التي سيتخذها هؤلاء على اميركا في الداخل وفي الخارج ايضاً.
ويعمد المنتقدون ايضاً الى الاشارة الى نقطة اخرى، وهي ان اسماء تولت مناصب عامة ستتسلم وزارات كانت تدعو الى الغائها، على غرار ريك بيري (حاكم تكساس السابق) الذي سيتولى منصب وزير الطاقة وهو الذي كان دعا الى الغاء هذه الوزارة في السابق. كما ان البعض يعيّر وزير الخارجية المرتقب بأنه من الشخصيات المقرّبة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فيما يكثر الحديث عن مخاوف في البيت الداخلي الاميركي بفعل تعيين فلين مستشاراً للأمن القومي وهو المعروف عنه عدم تقبّله وخوفه من المسلمين.
في المقابل، يرى المؤيديون لترامب ان هذه "النقزة" في غير محلها، وانها ذريعة فقط للتهجم على الرئيس وادارته حتى قبل توليه المسؤولية بشكل رسمي، وقبل اعطاء اي فرصة للحكم على الاعمال وليس النوايا. ويعتبر المؤيدون ان تعيين بيري كوزير للطاقة هو اكبر دليل على حرص ترامب على الاستفادة قدر الامكان من الموارد النفطية للدولة، خصوصاً وان بيري كان حاكم ولاية تكساس التي تعتبر اكبر ولاية منتجة للنفظ في اميركا، وحقق انماء كبيراً للولاية المذكورة كما نجح بتخفيض اسعار المشتقات النفطية فيها. وبالتالي، فإن خبرته ستكون اكثر من نافعة على المستوى الوطني بعد ان حققت نجاحاً على المستوى المحلي.
اما اختيار تيلرسون للخارجية، فيرده المؤيديون الى ان العلاقات مع روسيا كانت في مستوى متدنٍّ مع الادارة الاميركية للرئيس باراك اوباما، ولا بد من استنهاضها واعادة التوازن اليها نظرا ًالى الدور الذي تلعبه روسيا على المسرح العالمي، وعلاقاتها التي نسجتها مع دول تنظر اليها واشنطن بعين القلق ومنها الصين وايران. ويعوّل المؤيدون لترامب على امكان الدور الذي يمكن ان تلعبه موسكو في الحد من التوتر بين اميركا وهذه الدول بما يعود بالفائدة على الجميع، ودون الحاجة الى رفع التأهب العسكري بين الناتو وموسكو من جهة، وبين الجيش الاميركي وجيوش اخرى من جهة ثانية. كما يعتبر المؤيدون ان هذا الامر من شأنه ابعاد شبح ارسال القوات العسكرية الاميركية الى الخارج للدخول في حروب لم تعد بالمنفعة على اميركا (كحرب العراق وسوريا...).
اما المخاوف من مستشار الامن القومي فلين، فتضعها فئة المؤيدين للرئيس المنتخب ضمن حملة زيادة الشرخ بين الاميركيين، لانّه لم يتعرض للمسلمين الاميركيين، بل كانت مواقفه (وفق المدافعين عن خيارات ترامب) مناهضة للارهابيين المسلمين وهو يدعو الى التعامل معهم بحزم، لانهم قادرون على خلق خلايا ارهابية داخل اميركا مستفيدين من الجو الذي يتحدث عن "ظلم" يلحق بالاسلاميين، فيلعب الارهابيون على هذا الوتر لزيادة وتنامي الارهاب داخل الولايات المتّحدة الأميركية، وهو ما يجب مواجهته بحزم وقوة.
وبين هذا وذاك، يبقى الثابت ان خيار ترامب ومواقفه واختياراته للاسماء الوزارية ستبقى تحت المجهر منذ اليوم الاول دخوله البيت الابيض بشكل رسمي كرئيس للجمهورية.