التباكي على حلب ومظلومية اهلها، لا يجب ان يميّز بين المدني الموالي لبشار الاسد والمعادي للعصابات التكفيرية، او بين من يؤمّن بنية حاضنة للتكفيريين اكانوا يحملون تسمية القاعدة او القوى المعتدلة. فالمرأة والطفل والشيخ في حلب وفي المناطق التي تخضع لسيطرة النظام دمهم ليس حلالاً على احد، ولا يجب قصفهم بكل ما تيّسر من القذائف والصواريخ لمجرد انهم في منطقة نفوذ الاسد. والامر سيان بالنسبة للمرأة والطفل والشيخ الذين يمكثون كدرع بشرية او كعائلة حاضنة للعنصر التكفيري، فمن كان شقيقها او زوجها او والدها في جبهة النصرة او اي فصيل تكفيري آخر لا يمكنها ان ترميه في البحر. في محصلة النقاش، المدني مدني اينما كان ويجب ان يحيّد عن القتل العشوائي والقصف والدمار. فالتباكي اللبناني الحاصل في الايام الماضية، يؤكد ان هناك تمييزا بين المدنيين السوريين حسب الانتماء المذهبي والطائفي والسياسي. فبالنسبة لخالد الضاهر والقوى السلفية الاخرى والجماعة الاسلامية وتيار المستقبل، ان المظلومين في سورية هم مدنيو المعارضة فقط في مفارقة عجيبة غريبة. وهذه المزايدة هي سياسية فقط بعدما فشلت كل حملات الدعم للمعارضة من تركيا عبر النائب عقاب صقر بالبطانيات والحليب، وبما ان صقر عاد الى لبنان اخيراً فمن الواجب متابعة نشاطه الاغاثي للنازحين في لبنان؟
وفي تصريحاته المتعددة امس نصرة لحلب اصاب النائب خالد الضاهر عندما اعتبر ان اغاثة سورية والسوريين في حلب، يكون بالحفاظ على كرامة النازح السوري والمرأة والطفل والشيخ وتأمين مستلزماتهم المعيشية والانسانية وعيشهم الكريم في لبنان. مع ايجاد آلية قانونية وامنية لكل النازحين بما لا يضمن فوضوية اقامتهم وتنقلاتهم او توقيفهم لمجرد عدم امتلاكهم الاوراق الثبوتية.
في النتائج المباشرة لانتصار الجيش السوري وحلفائه في حلب على الخريطة الميدانية في سورية، هناك من يقول انها انتصار في النقاط السياسية وتقدم ميداني وعسكري ومعنوي، وانه في الاستراتيجية بداية النهاية للمشروع التكفيري في سورية وخصوصاً من بوابة حلب، التي كان يراد لها ان تكون عاصمة سورية الثانية لدولة ثنائية القومية، دولة سنّية عربية ودولة سنّية كردية. ولا يهم من هم ولاة الامر فيها اكانوا تكفيريين ام معتدلين لطالما ان الذي يصنفهم هو من يدعمهم في كل معاركهم العسكرية والسياسية.
وجهة نظر ثانية تقول ان انتصار حلب لا يمكن ان يقرش في الميدان، الا اذا اُتبع بخطة سياسية او خريطة طريق توصل الى الحل السياسي والشامل في سورية وبخطة اعمار كاملة وتأمين التمويل اللازم لها وكذلك بدء عودة اللاجئين الى منازلهم.
وفي ارتباط الملف السوري بالملفات الاخرى، ثمة من يقول ايضاً ان هناك ربطا بين تقدم النظام السوري وحلفائه ومحاولة السيطرة او تطبيق التقدم والانتصار في الملف اللبناني. وهذا الكلام يروجه معادو اخصام حزب الله وسورية في لبنان وخصوصاً بعد الكلام الذي ادلى به الرئيس الاسد منذ ايام واوحى بعودة السطوة السورية والرغبة بالتدخل، بعد اعتبار ان انتخاب ميشال عون رئيساً تكريس لانتصار المحورين السوري والايراني.
في المقابل يتعزز اعتقاد لدى حزب الله وقوى 8 آذار ان هناك من يريد عرقلة العهد عبر تفريخ العقد في وجه حكومة الحريري لبعدين: الاول داخلي ومتعلق بقانون الانتخاب الجديد، اذ افرزت جولة تكتل التغيير والاصلاح جبهتين واحدة تنادي بالنسبية الكاملة وينتمي اليها كل من التيار الوطني الحر وحزب الله وامل. والجبهة الثانية ترفض النسبية الكاملة وتريد نسبية هجينة مع الستين او مشوهة بما يقلص حجم خسائرها في الانتخابات النيابية المقبلة، وينتمي اليها وليد جنبلاط وسعد الحريري وسمير جعجع.
البعد الآخر لعرقلة حكومة الحريري، ترى 8 آذار انه دولي ومرتبط بمعرفة توجهات ادارة الرئيس الاميركي الجديد دونالد ترامب. اذ يشعر صقور المستقبل و14 آذار انه رجل حرب ورجل حسم في سورية وسياسته قد تغير وجه المنطقة، وخصوصاً بعد الاعلان عن الوجوه الجديدة التي ترافقه الى البيت الابيض في 20 كانون الثاني المقبل.
وبين هذين البعدين الداخلي والخارجي يخسر رجلان هما عون والحريري من رصيدهما السياسي بفعل الاستجابة لهذه اللعبة المزدوجة. فمن جهة يخضع عون وفريقه الى لعبة التعطيل عبر رفع الشروط احيانا والتصعيد احيانا اخرى. وفيما يستجيب الحريري الى اللعبة الخفية بارادته او بغيرها، الحكومة متعثرة ولن تبصر النور لطالما لم يصل ترامب بعد رسميا الى البيت الابيض. والايام الفاصلة عن عيد الميلاد لم تعد كثيرة.