في قصة البشرية وتاريخ كلّ واحد منّا خبرة ارتداد عن محبة الله وبحث عن السعادة في أمور اكتشفنا متأخرًا كذبها وخداعها. للتقوقع على الذات صور كثيرة، فمرّة تتملك علينا رغبة التنعم بدون تعقل بأشياء الدنيا من حولنا فننهل منها حتى نضيع فيها، ومرّة ثانية تظهر في شكل دوامة الشهوة ولذّتها فنغرق فيها، ومرة ثالثة نبحث عن نجاحنا الشخصيّ على حساب الآخرين ويختفي الفقراء والضعفاء من دائرة اهتمامنا وانتباهنا، وهكذا مرات ومرات بوجوه متعددة.
وفي كلّ زمان يرسل الله أنبياءه ليقودوا شعبه إلى الحقّ والصدق، لأنّ الله أمين لا يستطيع أن ينسى حبّه لشعبه، ولا يقدر أن ينكر نفسه حتى وإن كنا خائنين (2 تيموثاوس 2: 13). كلمة الله صادقة حيّة لا تضيع أبدًا، بل تتمّ ما أُرسلت من أجله وتنجح في مهمتها (أشعيا 55: 11). أعلن عنها أشعيا وبعده بسبعة قرون تقريبًا سمعها يوحنا المعمدان في قلبه فجاء يبشّر بها أبناء شعبه: توبوا إلى الربّ، فهو آتٍ ليسكن معنا وبيننا، مهّدوا الطريق في قلوبكم، غيّروا سلوككم المعوج، اخرجوا إلى لقائه.
وبالفعل، من كلّ مكان، خرج الناس ليعتمدوا على يد يوحنا، علامة على موتهم عن الخطيئة وقيامتهم للحياة الجديدة. وفي ملء الزمان، أرسل ابنه الوحيد إلى العالم، مولودًا من امرأة، مريم أمّنا (غلاطية 4: 4)، ليتضامن معنا في طريق حياتنا، في واقع الكذب والخطيئة والموت الّذي نعانيه. "فالله محبّة... ونحن ما أحببنا الله، بل هو الذي أحبّنا وأرسل ابنه كفارة لخطايانا" (1 يوحنّا 4: 8، 10). الحياة الجديدة هي هبة الله للبشر، هي ثمرة روحه القدّوس في قلوبهم، روح الحياة والفرح والسلام.
زمن المجيء هو وقت اللقاء مع روح الله الذي يصنع كلّ شيء جديدًا (رؤيا 21: 5)، يجدد القلب والفكر، يحيي الأغصان الجافة ويجعلها تحمل ثمرًا يدوم. إنّه وقت اللقاء مع الذي يأتي إلى حياتنا وكنائسنا ومجتمعاتنا ليسكن فيها ويجددها ويشفيها، "فالله نفسه معهم ويكون لهم إلهًا، يمسح كلّ دمعة تسيل من عيونهم. لا يبقى موت ولا حزن ولا صراخ ولا وجع، لأنّ الأشياء القديمة زالت" (رؤيا 21: 3-4). زمن المجيء هو وقت الولادة الجديدة في الرّوح، ولادة يسوع في قلوبنا وحياتنا، ولادتنا من علُ، فكما يقول يسوع لنيقودمس، هكذا هو لنا اليوم: "مولود الجسد يكون جسدًا ومولود الروح يكون روحًا ... فالريح تهب حيث تشاء، فتسمع صوتها ولا تعرف من أين تجيء وإلى أين تذهب، هكذا كلّ من يولد في الروح" (يوحنّا 3: 6، 8).