كيف سيكون الوضع في سورية والإقليم بعدما تمّ تحرير حلب من تنظيمات الإرهاب؟
سؤال كبير بحاجة إلى وقت طويل لإيجاد جوابٍ وافٍ عنه. ما يمكن قوله الآن إنّ خروج معظم تنظيمات الإرهاب من حلب بمواكبة روسية وتركية يشير فقط إلى ملامح لما سيكون عليه الوضع بانتظار المزيد من المؤشرات والتحركات التي تشي بالمرامي الحقيقية لأطراف الصراع.
لعلّ أول المؤشرات البازغة أنّ الاتفاق على إخلاء المدنيين والمسلحين كان نتيجةَ مفاوضات روسية – تركية بمعرفة السلطات السورية. أما المحادثات التي آلت إلى التفاهم على إجراءات تنفيذ الاتفاق فكانت سورية سورية، بمعنى أنها جرت بين «وسيط» مدني سوري، الشيخ عمر رحمون، والمسؤول العسكري لحركة «أحرار الشام» في حلب المدعو الفاروق أبو بكر. كِلا الوسيطين تحرّكا بمتابعة حثيثة من ضباط سوريين كما من مسؤولي فصائل إرهابية غير خاضعة لـ «جيش فتح الشام».
تعثرت المحادثات بين الوسيطين نتيجةَ شرطين أصرّ عليهما طرفان أساسيان: تركيا، ومن ورائها الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي «الناتو» من جهة، والحكومة السورية بدعم من روسيا من جهة أخرى. تركيا وأميركا اشترطتا ان يتضمّن الاتفاق تسهيل نقل نحو 150 ضابطاً أطلسياً بينهم ضباط أميركيون وأتراك عالقاً في شرق حلب إلى الحدود السورية التركية. أما الحكومة السورية فقد اشترطت تأمين خروج عشرات الجرحى والمرضى والمسنّين من الرجال والنساء من كفريا والفوعا المحاصرتين إلى مناطق سيطرة الجيش السوري. وكان أن تكفّلت تركيا بتأمين خروج الضباط الأطلسيين ونقلهم إلى أراضيها، فيما تكّفل ضباط روس عاملون في سورية بخروج الجرحى والمسنّين من كفريا والفوعا وتسليمهم للجيش السوري فور البدء بتنفيذ العملية.
هذا التعاون الوثيق بين موسكو وأنقرة لتظهير الاتفاق، ومن ثم لرعاية تنفيذه على الأرض أشّر ويؤشر إلى وجود اتفاق بين الطرفين على خطوات سياسية لما بعده. بالفعل، لم يتأخر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن الإعلان، خلال زيارته طوكيو، أنّ بلاده تدعو إلى العمل لوقفٍ لإطلاق النار يشمل الاراضي السورية كلها، كما إلى استئنافٍ للمفاوضات بين السوريين أنفسهم، أي بين الحكومة السورية وفصائل المعارضة السورية غير المسلحة. أكثر من ذلك، أعلن بوتين أنّ موسكو وأنقره تقترحان اتخاذ مدينة استانة، عاصمة كازاخستان، مقراً لمفاوضات سورية سورية مرتقبة من دون اعتبارها بديلاً من جنيف.
الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا استشعرت مخاطر التقارب بين روسيا وتركيا واتفاقهما على إجراءات مقاربة متناسقة للوضع السوري بعد انتهاء الحرب في حلب. لذلك سارع الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب إلى الإعلان عن تأييده إقامة مناطق آمنة بتمويل خليجي داخل سورية من أجل احتواء أوضاع المدنيين. هذا الإعلان فسّره محللون سوريون بأنه مجرد رشوة سياسية لتركيا من أجل مشاركة الولايات المتحدة في الضغط على سورية، سياسياً وعسكرياً، بغية تطويق مفاعيل انتصارها الأخير في حلب، وذلك بمتابعة الحرب لدعم المركز التفاوضي لفصائل المعارضة السورية. هذا مع العلم أنّ المناطق الآمنة اقتراح قديم لحكومة أردوغان في سياق خططها السياسية والميدانية لمواجهة محاولات القوى الكردية، السياسية والعسكرية، الرامية إلى ربط مناطق سيطرتها في محافظة الحسكة شمال سورية الشرقي بمنطقة سيطرتها في عفرين بشمال سورية الغربي.
إلى ذلك، ثمّة طرفان إقليميان قلقان من مفاعيل تحرير حلب على مصالحهما الأمنية والسياسية. بعض دول الخليج، بقيادة السعودية، دعا عبر اجتماع طارئ لجامعة الدول العربية الى إدانة قسوة القوات السورية في قصفها المدنيين في أحياء حلب الشرقية. فوق ذلك، أبدت دول الخليج قلقها لعدم استشارتها في مسألة مستقبل سورية قبل وقف إطلاق النار المرتقب تمهيداً لمباشرة مفاوضات الحلّ السياسي.
«إسرائيل» قلقة ايضاً من مفاعيل إخراج التنظيمات الإرهابية من حلب لكونها ترفع معنويات الرئيس بشار الأسد وتصلّب تصميمه على تحرير سائر المناطق الواقعة تحت سيطرة «داعش» وحلفائها. وقد عبّر البروفسور ايال زيسر، الأكاديمي والباحث في «معهد ديان لدراسات الشرق الأوسط وأفريقيا»، عن قلق «إسرائيل» وخيبتها بقوله: «إنّ انتهاء الحرب في سورية … من شأنه أن يُغلق نافذة فرصٍ فُتحت أمام «إسرائيل» لدى نشوب الحرب هناك تتيح من ضمن أمور أخرى إمكان توجيه ضربة قاسية إلى حزب الله في الأراضي السورية» «يديعوت أحرونوت» .
الخوف من تداعيات عودة حلب الى حضن الأسد والخيبة من سياسة الرئيس الأميركي المنتهية ولايته باراك أوباما، لخذلانها فصائل المعارضة المعادية للرئيس السوري، حملا قياديين إسرائيليين موالين ومعارضين، كما كبار حاخامي اليهود الشرقيين والغربيين، على مطالبة حكومة نتنياهو بإعادة النظر بسياستها حيال الحرب في سورية على نحوٍ يؤدّي إلى مجابهة أشدّ لمحور المقاومة المؤلف من سورية وإيران وحزب الله.
هذا التصعيد في الموقف ضدّ دمشق وطهران امتدّ الى باحثي «معهد الأمن القومي» الإسرائيلي وخبرائه. فقد نشر الباحث اودي ديكل في «مباط عال» 2016/12/14 تحليلاً جاء فيه: «على افتراض أنه بعد سقوط حلب ستحاول قوات الأسد، بتشجيع من إيران وحزب الله، توجيه مجهودها نحو جنوب سورية من أجل السيطرة على المناطق الواقعة تحت سيطرة المتمرّدين، فإنّ قتالاً سيدور في مثل هذا الوضع بالقرب من الحدود في هضبة الجولان بمشاركة قوات إيرانية وقوات من حزب الله مع خطر كبير بأن تنزلق الأحداث الى داخل أراضي إسرائيل».
هكذا يتضح انّ «إسرائيل» تنظر إلى تداعيات تحرير حلب من تنظيمات الإرهاب في منظور تنامي قوة إيران ونفوذها وانعكاس ذلك كله على أمنها. غير أنها تتأنّى في اتخاذ موقف أكثر حزماً وفعالية حيال مستقبل الصراع في سورية بانتظار تسلّم الرئيس المنتخب دونالد ترامب سلطاته في 2017/1/20 ومعرفة توجهات سياسته حيال روسيا واحتمال تعاونه مع الرئيس بوتين على مواجهة منسقة ضدّ تنظيمات الإرهاب.
الكلّ، على ما يبدو، في انتظار ما سيفعله ترامب…