انطلقت المرحلة الثالثة من عملية اعادة الحياة للمؤسسات الدستورية بعد اكثر من عامين ونيف من الفراغ، قانون الانتخاب هو الوجهة الاساسية اليوم بعد اقرار مراسيم الحكومة وبعد الاتفاق على ان يكون البيان الوزاري مستوحى من خطاب القسم، الا ان الوقت يداهم الجميع، حيث لم يتبقَّ الا 3 اشهر قبل دعوة الهيئات الناخبة في شباط المقبل.
الاتصالات السياسية العلنية والخفية انطلقت بقوة لجوجلة الافكار بعد "الفيتو" العارم الذي يواجه قانون الستين في العلن، مع رفض سياسي وشعبي لهذا له خصوصًا بعد التمديد للمجلس النيابي لإقرار قانون جديد، وهذا الشيء لم يحصل حتى الساعة. وتتراوح الطروحات بين قانون واحد مقدّم من رئيس المجلس النيابي نبيه بري والاخر من تحالف القوات والمستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي، كما ان هناك اقتراحات ومطالبات مستجدة بالقانون النسبي على اساس الدائرة الواحدة على صعيد لبنان، لا سيما من قبل حزب الله في خطاب امينه العام الاخير السيّد حسن نصرالله.
القانون والوقت
الناشط في القضايا المرتبطة بديمقراطية الانتخابات زياد عبد الصمد اشار الى ان القانون المختلط صيغة ممكن ان ترضي الافرقاء، لانه ضمن النقاش الدائر حاليا هناك صيغ كثيرة مقترحة كل حسب مصلحته، وكل فريق يريد ان يحصل على الاكثرية، ولفت الى انه من الصعب حاليا وجود صيغة ترضي الجميع بإستثناء المختلط، وهذا الموضوع طرحته لجنة فؤاد بطرس منذ عام 2006.
واوضح ان النقاش حاليا هو حول نقطتين في القانون المختلط، الاولى هي نسبة النواب الذين ينتخبون عبر النسبية والذين ينتخبون عبر الاكثرية، والموضوع الثاني هو الدائرة الانتخابية، حيث توج دوائر واسعة للنظام النسبي في حين أن دوائر النظام الاكثري مصغرة، وهذه صيغ لها تأثير كبير على النتائج، موضحا ان القانون النسبي لا يعمل بالدوائر الصغيرة وهو يحتاج الى دوائر متوسطة او كبيرة، ممّا يزيد الامور تعقيدا لانه لدينا اقل من شهرين حتى شباط موعد دعوة الهيئات الناخبة. واشار الى ان اي صيغة تعتمد بحاجة الى فترة زمنية لتهيئة الامور اللوجستية والتقنية لادارة العملية الانتخابية وتدريب فريق وزارة الداخلية لتنفيذها، كما بحاجة الى وقت ليفهم المرشحون والناخبون موضوع القانون الجديد. واشار الى انه اذا تعدلت الدوائر ستعدل لوائح الشطب، وهذا الموضوع له علاقة بواقعية التطبيق ستكون اصعب كلما مر الوقت، وسأل اذا الحكومة اخذت 50 يوما، هل نستطيع انجاز القانون الانتخابي قبل نهاية العام الجاري؟
المحلل السياسي أمين قمورية اكد ان لا مهرب من قانون جديد للانتخاب، معتبرا انه حتى لو تم اقرار النسبية يمكن ان تاتي بنتائج قانون الستين وما شابه ولن تسجل خروقات كبيرة، الا انه يمكن استغلال النسبية لاهداف سياسية وتغيير مكامن الغالبية في المجلس النيابي. واوضح ان ما يهمنا هو تمثيل نسبي حقيقي، يفتح المجال امام تغيير جذري في البلد ومشاركة اكبر قدر من الناس في الحياة السياسية، ورأى ان الاصلح لنا هو النظام النسبي خارج القيد الطائفي.
وجدّد التأكيد ان نتائج النسبية ستكون قريبة الى حد كبير من الواقع الموجود حاليا ولكنها ستغير الوضع مع الوقت، موضحا ان رئيس الحكومة سعد الحريري متمسك بالقانون الحالي لانه يحفظ له الغالبية والفريق الاخر متمسك بالنسبية لانها تنقل الاكثرية اليه.
خطوة الى الامام
زياد عبد الصمد رأى ان قانون الانتخاب لن يأتي الا تعبيرا عن مصالح الطبقة السياسية التي تنتج القانون الانتخابي، وهو لن يأتي الا تعبيرا عن الواقع السياسي في البلد، وصحة التمثيل لا تتم الا من خلال نظام انتخابي يتساوى به المرشح والناخب، وفي السياق يشير الى ان هناك ناخب ينتخب 5 نواب واخر 19 نائبا، ونائب منتخب من قبل 10 الاف ناخب وناخب اخر من قبل 200 الف.
واكد ان اهم قانون هو الذي يوفر السرية المطلقة للعملية الانتخابية، فالاقتراع حاليا مكشوف وكل مقترع صوته معروف الى اين ذهب، ولفت الى ان السرية تكون عبر البطاقة المطبوعة سلفا كما يجب اعادة النظر بتوزيع الاقلام ومراكز الاقتراع، كما اقرار بند التصويت في مكان السكن وليس مكان القيد، والتشدد بموضوع قضايا الانفاق الانتخابي وعدم ابقائه في خانة الكشف عن حساب المرشح.
بدوره، اسف امين قمّورية لان المنطق الطائفي قوي جدا في موضوع الانتخابات، ولا شك ان النسبية تخفف من حدته ولا تلغيه، لان الالغاء الحقيقي للطائفية يكون عبر الغائها من الانتخابات، موضحا ان خيارات الفريق المسيحي كانت بين الارثوذكسي او النسبية الصغيرة و "وان مان وان فوت" (One man one vote) وكل فريق يحسبها بحسب مصلحته، ولا احد يفكر بالقانون الافضل كي تقاس المواضيع بوطنية.
واشار قمورية الى انه يعتقد ان القانون الانتخابي سيتغير ولن يعمل بقانون الستين، ولكني لست متفائلا كثيرا بموضوع القانون المقبل، الا ان النسبية ايا يكن شكلها هي خطوة الى الامام، مع تأكيده ان القانون المختلط هو كذبة لانه لا يغير شيئا في الوضع القائم، والمهم ان يكون هناك معيار واحد لكل المناطق، وسأل لماذا المختلط يكون نسبيًّا في مكان واكثريًّا في مكان اخر، معتبرا انه ليس الحل الامثل.
اذن الانظار حاليا تتجه الى الموضوع الاهم، وهو قانون الانتخاب الذي يعيد تشكيل سلطة سياسية جديدة في لبنان، الا ان حسابات الحقل تختلف بكثير من الأحوال عن حسابات البيدر، ويبقى السؤال الاساس، هل يريد الافرقاء السياسيين قانونا جديدا للانتخاب؟ وهل هم مستعدون لادخال النسبية في القانون الجديد؟ يبقى الأمر معلقا على جديّة الاتصالات في الايام المقبلة للوصول الى قواسم مشتركة في القانون الانتخابي المرتقب.