على وقع تطور الأحداث على الساحتين السورية والدولية، عاد جدل مشروع الإندماج بين حركة "أحرار الشام" وجبهة "فتح الشام" إلى الواجهة من جديد، عبر بوابة إجتماع مجلس شورى الحركة لبحث هذا الموضوع في الأيام الأخيرة.
بعد الهزيمة التي تعرضت لها فصائل المعارضة السورية المسلحة في مدينة حلب، التي كانت تعتبر الأهم على مختلف الصعد، خرجت بعض الأصوات لتطالب تلك الفصائل بالتوحد، ولم يكن أحد أبرز مسؤولي "أحرار الشام" لبيب النحاس بعيداً عن هذا التوجه، لكن من جديد سقط هذا الإقتراح لدى البحث فيه، نتيجة المخاوف التي لدى الحركة وغيرها من الجماعات من تداعيات الإرتباط بجبهة "النصرة" سابقاً، المصنفة إرهابية من قبل الأمم المتحدة والعديد من الدول.
وفي حين تضاربت المعلومات بين تأجيل البحث في مشروع الإندماج ورفضه من قبل غالبية أعضاء مجلس الشورى، تشير مصادر متابعة، عبر "النشرة"، إلى أن الفريق المعارض داخل "أحرار الشام" هو من يقف خلفه، بعد أن كان علق عضويته نتيجة الخلاف على إختيار الأمير الجديد علي العمر، ومن ثم ذهابه إلى الإعلان عن تشكيل "جيش الأحرار" من دون موافقة القيادة الجديدة.
وتلفت هذه المصادر إلى أن هذا الفريق لديه العديد من الملاحظات على مسار الحركة، منذ فترة طويلة تعود لولاية الأمير السابق، لكنه اليوم على ما يبدو لا يريد الإستسلام إلى هزيمة خياراته الإستراتيجية، لا سيما على المستوى السياسي، حيث تعتبر القيادة الحالية أن من أولوياتها الحفاظ على العلاقة مع الحكومة التركية، والتحضير لمرحلة الإنتقال السياسي في ظل تقدم المفاوضات والإتصالات بين القوى المعنية على المستويين الدولي والإقليمي.
وتوضح المصادر نفسها أن هذا الفريق، الذي يعتبر نحاس أحد أبرز رموزه، لا يريد ربط مصير الحركة بـ"فتح الشام"، التي باتت تعتبر "ورقة محروقة" على الصعيد السياسي، بالرغم من إعلانها فك الإرتباط مع تنظيم "القاعدة"، وبالتالي هي تسعى للإستفادة من إستثنائها من لائحة التنظيمات الإرهابية، التي أعلن عنها بعد اللقاء الثلاثي بين تركيا وروسيا وإيران في موسكو، لضمان تمثيلها في أي حوار سوري-سوري مقبل، بعد أن كان الجانب الروسي يُصر على تصنيفها إرهابية، إلى جانب "جيش الإسلام"، ويفضل عدم حصر الموضوع بـ"داعش" و"النصرة".
وفي حين حاول، في الأيام الأخيرة، القيادي السعودي في "جيش الفتح" عبدالله المحيسني الضغط لتحقيق الإندماج، عبر تأكيده أن "في الاندماج قوة عسكرية للساحة"، موضحاً أنه "ليس على منهج "فتح الشام" ولا "أحرار الشام" ولا "الجيش الحر" بل تكتل سني يجمع أهل السنة بأطيافهم"، محاولاً الإيحاء بأن التفاهم بين الجبهة والحركة تم وبأن رسالته موجهة إلى باقي الأفرقاء، تشدد المصادر المتابعة على أن أغلب الفصائل، لا سيما تلك العاملة ضمن عملية "درع الفرات" التي تقودها أنقرة، ترفض هذا الإندماج، بسبب مخاوفها من التداعيات التي قد تعصف بالساحة، بالإضافة إلى أن الحكومة التركية لا تشجع عليه.
من وجهة نظر هذه المصادر، "أحرار الشام" أمام سيناريوهان لا ثالث لهما: الإندماج مع "فتح الشام" وخسارة كل الجهود التي كانت القيادة السياسية تسعى إلى القيام بها في الفترة الأخيرة، لناحية تأكيد الإبتعاد عن الخطاب المتطرف والمتشدد والقبول بالحل السياسي، أو إعلان الرفض بالتزامن مع تفجر الأوضاع في داخلها، لا سيما أن الجناح المعارض يريد الذهاب إلى هذا الخيار، وهو كان قد أعد العدة لإحتمال الرفض، من خلال تشكيل "جيش الأحرار"، الذي وصف من قبل بعض الأوساط بأنه "إنفصال" غير معلن عن قيادة الحركة.
وفي حين ترجح هذه المصادر أن تسعى القيادة الحالية إلى خيار المماطلة في حسم موقفها بشكل نهائي، تؤكد بأن الإندماج سيكون بمثابة إنتحار سياسي، نظراً إلى أن تداعيته ستكون كبيرة جداً، لكنها تلفت إلى أن خيار الرفض لن يؤدي فقط إلى إنقسامها بل إلى إحتمال صدامها مع "فتح الشام"، وتضيف: "جميع الخيارات صعبة لكن بات على الحركة أن تقرر موقفها بسرعة".
في المحصّلة، لم يعد من السهل اليوم على أي جهة سورية معارضة الذهاب إلى التوحد مع "فتح الشام"، وقد يكون المانع الأساسي هو موقف الحكومة التركية، التي لم تعد قادرة على تجاوز الإتفاقات التي عقدتها مع نظيرتها الروسية.