يُطلُّ عيد ميلاد الربِّ يسوع كما هي الحال في كُلّ سنة، حامِلاً معه حوائجه الكثيرة التي يكاد المرء لا يستطيع أن يُحصيها لِما فيها من تفاصيل مُدهِشة تأسر عينَي الناظر، ولست أدري إن كانت ضروريةً وفي مكانها، ولكنها، والحقٌّ يُقال، جميلة جدّاً، لا بل خلاّبة، تُحاول أن تكون على قدر المناسبة؛ فالطفلُ الإلهيُّ آتٍ، ولا بُدَّ من استقباله بِما يليق.

وإن كنتُ لا أُريد الغَوصَ في نوايا المُصنّعين ولا المُستهلكين الذين رُبّما، يُوضعون في خانة مُصَنِّعٍ ومُستهلِك لا أكثر. فإنّي أُريد أن أؤكّدَ على أنّ أهميّة العيد بالنسبة إلى الإنسان تكمن في أنّه لا يستطيع أن يحيا من دون عيد. فالعيد يُعيد إنعاش الوجود المُمِلّ، ويضع الفرح الذي لا بُدَّ منه في القلوب، ويُجَدّدُ حماسة الشباب، ويُوقِظُ الحسّ الأدبي الذي يجعل المُعيِّدين أكثرَ انتباهاً إلى فوق أي إلى الله الذي منه كلّ شيء وإليه كلّ شيء، وإلى تحت، أي إلى الإنسان موضوع حُبّ الله، فيُعيد نسج العلاقات الإنسانية على اُسُسٍ صحيحة، وبالتالي، الدفع باتجاه إنسانيّة أفضل، تشعر وتَرِقُّ وتُحبّ، إنسانيّةٍ ميّالةٍ إلى الإنسان.

ومن العيد، إلى عيد ميلاد الرب يسوع، عيد الأعياد. فبِماذا ينفعنا عيد ميلاد يسوع؟ سؤالٌ طرحة أوريجانوس وردّده بعد ذلك القديس أوغسطينوس والقديس برنردوس. بِماذا تنفعنا ولادة المسيح إن لَم يولَدَ بالإيمان في نفوسِنا، وإن لَم يوَلِّدُ هذا الإيمانُ الفرح الذي هو ثمَرَةُ الروح القدس ؟!. ألا يكون عندها الإحتفالُ بعيد ميلاد الربّ يسوع مُجرّد مناسبة اجتماعية خاليةٍ من القُدرة على الخلاص؟!.

أن نعيشَ ​عيد الميلاد​ معناهُ، أن نسمح ليسوع بأن يدخل في حياتنا ويُغَيرها. وأن نستطيع، في الوقت عينه، بأن نَخرُج من حياتنا التي ألفناها، ومن تقوقعنا وافتتاننا بذاتنا، للدخول في عظمة رحمته. فالبراعة، كلّ البراعة، والقول لنيتشه، لا تكمن في تنظيم العيد الذي سيَجِدُ حتماً مَن يُنظّمه، ولا في إيجاد الأموال الطائلة التي تُصرَف لهذه الغاية، بل في وجود أشخاص قادرين على الفرح في العيد.

ولكن كيفَ نفرَحُ بالعيد؟ كيف نفرح وعيوننا لا تطال إخوتنا، وقلوبنا لا تخفق حُبّاً، وأحشاؤنا لا تتحرّك أمام المظالم التي تحوط بِنا، وأيدينا مُقفلة على العطاء، وعواطفنا باردة؟!. ألا يجدُر بنا والحالة هذه البحث عن دفء العيد الحقيقي الذي يطلبه المولود الإلهيُّ منّا لكي نرتدَّ إلى الله والإنسان؟!. بلى. فالفرح ممكن فقط في رفقة الآخرين، ويمكننا أن نكون في رفقة الآخرين فقط في الحبّ اللامتناهي؛ فَالفرح ممكن فقط عبر إزالة حواجز الأنا في المسيرة نحو الله ونحو التأله.

فيا أيُّها المُشرِق علينا في العُمق، عُمقِ يأسِنا وشقائِنا. أنر أعيادنا بنورِ جمالِكَ، وأبعد عنها ظُلمة الإستهلاك والسطحيّة. ليِّن قلوبنا بالمحبّة، واملأنا من أفراح العيد، فنهتِفُ هُتافَ الفرحِ الذي أنشدَهُ الملائِكةُ يومَ ميلادِك:" ألمجدُ للّهِ في العُلى وعلى الأرض السلام والرجاء الصالِح لِبَني البشر". آمين

وُلِدَ المسيح... هللويا