شكلت مدينة حلب السورية محور إهتمام العالم أجمع على أكثر من صعيد في الأشهر الماضية الأخيرة، خصوصاً مع تصاعد حدة المعارك في المدينة وما افرزته من وضع إنساني صعب على المدنيين هناك، وإحتلت أخبار المدينة حيزاً واسعاً من نشرات الأخبار في لبنان، حيث أجمعت على أهمية المعركة فيها وتأثيرها على الأزمة في سوريا ككل وإنعكاسها على طاولة المفاوضات في جنيف. ورغم أن المعارك بين قوات النظام السوري والفصائل المسلحة في المدينة لم تتوقف منذ منتصف العام 2012، إلاّ أنها لم تكن بنفس الوتيرة التي شهدتها الأشهر القليلة الماضية، مما كوّن إنطباعاً بأن هذه المعركة هي الأخيرة، وهدف الدولة السورية واضح وقرارها نهائي ألا وهو تحرير حلب بشكل نهائي لما تحمله من أهمية، وهذا ما ظهر واضحاً في كلمة الرئيس السوري بشار الأسد الذي إعتبر أن "تحرير حلب هو خطوة أساسية في طريق القضاء على الإرهاب على كامل الأراضي السورية وتوفير الظروف الملائمة لإيجاد حل ينهي الحرب".
ومساء أمس وبعد ايام قليلة من عمليات خروج ما تبقى من مسلحين من الأحياء الشرقية للمدينة، ومع عبور آخر دفعة من الأشخاص الذين خرجوا من مناطق سيطرة النظام السوري في حلب عبر معبر الراموسة، اعلنت القيادة العامة للقوات المسلحة السوريّة عودة الأمن والأمان إلى المدينة المذكورة بعد تحريرها من الإرهاب والإرهابيين، وخروج من تبقى منهم، مشيرة إلى أن "هذا الانتصار يشكل تحولاً استراتيجياً ومنعطفاً هاماً في الحرب على الإرهاب من جهة وضربة قاصمة للمشروع الإرهابي وداعميه من جهة أخرى، مضيفة انه يؤكد قدرة الجيش السوري وحلفائه على حسم المعركة مع التنظيمات الإرهابية ويؤسس لانطلاق مرحلة جديدة لدحر الإرهاب من جميع أراضي الجمهورية السورية"، وبالتزامن مع الإعلان إنطلقت الإحتفالات في شوارع مدينة حلب حيث جابت مسيرات سيّارة شوارعها وأطلقت الأعيرة النارية إحتفالاً بالمناسبة، فيما رفعت المساجد الصلوات وقرعت الكنائس أجراسها ابتهاجا بتحرير المدينة من الارهاب.
الإحتفالات الميدانية في سوريا واكبتها أخرى على مواقع التواصل الإجتماعي في لبنان فانتشرت التعليقات التي حيّت صمود الشعب السوري في حلب وتضحيات الجيش وحلفائه، فعلق أحد المغردين قائلاً: "بعد اربع سنوات من الحرب اول صباح واول جمعة تعود فيها حلب موحدة بالكامل"، من جهته دعا المغرد أديب قطيش إلى تحويل يوم 22 كانون الأول إلى عيد وطني إبتهاجاً بتحرير المدينة، قائلاً: "يحتفل الأشقاء الروس سنويا بيوم النصر على الفاشية، فلماذا لا يتم تكريس يوم 22 كانون الأول -يوم إعلان تحرير حلب بالكامل- يوما للنصر على البربرية تحتفل به شعوب المشرق العربي تخليدا لآلاف الضحايا من المدنيين الذين سقطوا في كل حلب منذ غزوة 2012 ولمئات الشهداء من العسكريين الذين ارتقوا دفاعا عن حلب وأهلها ووفاءا للجرحى وإلى كل من عانى من همجية المحتلين؟"، بدوره علق الإعلامي سامي كليب منوهاً بتحريرها: "ها هو أبو فراس الحمداني يصدح من فوق الدمار وفق ابتسامات الفرح ودموع وضحكات العائدين ومن القلعة التي قامت مرارا بعد مرور برابرة التاريخ والحضارة والجغرافيا". وبعض المغردين ذهب أبعد من الإنتصار الآني في حلب، متوعداً بمزيد من الإنتصارات في كل الأراضي بدءاً من إدلب وصولاً إلى الرقة وكل بقعة محتلة في سوريا من قبل المسلحين، ورأى احد المغردين أن "مليارات عديدة صرفتها دول الخليج على حرب حلب ذهبت ادراج الريح بعد ان هزم مرتزقتها"، وفي تعليق فكاهي كتب أحمد: "في المدرسة سأل أستاذ الجغرافيا أين تقع مدينة حلب السورية؟ فأجابه التلاميذ تقع تحت أقدام مجاهدي حزب الله والجيش السوري".
وفي المقلب الآخر إنتشرت مجموعة واسعة من التعليقات التي عارضت "ما سمي بإنتصار"، متسائلة "اي إنتصار هذا والشعب السوري في حلب يقتل ويتم التنكيل به"، فعلق المغرد فضل مشيراً إلى أن "حزب الله تحول من مقاومة في وجه إسرائيل إلى آلة قتل في وجه الشعب السوري وجمهور الحزب تحول إلى مهلل لإنتصارت وهمية في وجه شعب عربي شقيق"، اما خالد فرأى أن "التاريخ لن يرحم الجيش السوري وحزب الله ومن خلفهما روسيا وإيران على جرائمهم بحق الشعب السوري".
وفي المحصلة يبقى الشعب اللبناني بشقّيه سواء المؤيد للنظام أو الداعم لما يسمى بالثورة السورية، بمنأى عن سياسية النأي بالنفس عن الأزمة في سوريا والتي إنتهجتها الحكومات اللبنانية المتعاقبة منذ بدء الأزمة السورية، بإعتبار انه لا يمكن عزل الشعب اللبناني عن أزمة تبعد عنه كيلومترات قليلة وعن شعب تربطنا معه علاقات سياسية وإجتماعية وإقتصادية. ومع إختلاف الآراء حول ما جرى في مدينة حلب إلاّ أنه يبقى خبر إعلانها مدينة آمنة، خبراً جيداً بعد ما شهدته من مآسٍ طيلة السنوات الاربع الأخيرة، ويبقى الأمل أن تعود المدينة للحياة وتنفض عنها غبار الحرب.