يمكن القول إن العام 2016 كان مفصلياً على مستوى الأحداث الإقليمية والدولية، نظراً إلى تعدد التحولات التي سيطرت على المشهدين السياسي والأمني، أبرزها كان إنتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة، من دون تجاهل نمو ظاهرة الإرهاب على نحو غير مسبوق.
بالإضافة إلى ذلك، لا يمكن تناسي تفجر العلاقات السعودية-الإيرانية بسبب الخلافات حول العديد من الملفات، من إعدام الشيخ نمر النمر إلى الأحداث اليمنية وصولاً إلى مراسم الحج. بالتوازي دخلت تركيا دائرة الخطر، مع إطلاقها عملية عسكرية في الشمال السوري "درع الفرات" بعد أن كانت شهدت إنقلاباً عسكرياً فاشلاً.
في السياق نفسه، لا يمكن تجاهل حوادث الطيران هذا العام، منها لأسباب تقنية وأخرى لأسباب أمنية، وكان آخرها سقوط الطائرة الروسية التي كانت تنقل فرقة موسيقية عسكرية إلى مطار حميميم في سوريا.
التهديدات الإرهابية تتعاظم
لم يتغير المشهد كثيراً على مستوى التهديدات الإرهابية في العام 2016 عن السنوات السابقة، حيث كان لافتاً تعاظم هذا الخطر في عدد من البلدان الغربية، خصوصاً في بلجيكا وفرنسا وألمانيا والولايات المتحدة وتركيا ومصر، بالإضافة إلى غيرها من الدول، في وقت تعجز فيه كافة الإجراءات الأمنية عن وضع حد لهذه الظاهرة الخطيرة، التي تأتي بالتزامن مع الحملات العسكرية التي تستهدف معاقل تنظيم "داعش" في سوريا والعراق وليبيا.
وفي حين تتحدث بعض الدراسات عن إحتمال تمدد هذه الظاهرة إلى بلدان أخرى، لا سيما في المغرب العربي، تطرح أسئلة حول عودة المقاتلين الأجانب من بؤر التوتر إلى دولهم الأساسية، وهو ما شكل مادة سجال في تونس في الفترة الأخيرة.
على هذا الصعيد، رفعت معظم الدول في العام الحالي من مستوى إجراءاتها الأمنية، في وقت لم تتردد دول عريقة في ممارساتها الديمقراطية عن إعلان حال الطوارىء، بينما تشعر روسيا بامكانية زيادة الخطر عليها في ظل الدور الذي تقوم به على صعيد الحرب السورية، الأمر الذي ترجم عبر إغتيال سفيرها في أنقرة على يد شخص أعلن أن هذا هو ثمن دورها في سوريا، بينما كرر تنظيم "داعش" دعواته إلى عناصره ومؤيديه لتنفيذ عمليات إرهابية في الأماكن التي يتواجدون فيها.
العلاقات السعودية الإيرانية
بالنظر إلى تداعياتها على مستوى منطقة الشرق الأوسط، لا يمكن تجاهل التوتر الذي طبع العلاقات السعودية الإيرانية خلال العام الجاري، حيث كانت البداية من قرار السلطات السعودية إعدام الشيخ نمر النمر في شهر كانون الثاني، ومن ثم الغارة التي نفذتها طائرات التحالف العربي على خيمة عزاء في اليمن، وصولاً إلى السجال الذي رافق مراسم الحج على خلفية حادثة منى.
هذا الواقع، يضع العلاقة بين الجانبين أمام سيناريوهات متعددة في العام المقبل: إستمرار التوتر في العلاقة بين الجانبين، كما هو الحال في الوقت الراهن، والذي يترجم في بلدان أخرى، أو تصعيد الأوضاع وصولاً إلى حصول مواجهة مباشرة بينهما، أو الإتفاق على معالجة الخلافات.
وفي حين سيكون لأي سيناريو تداعيات كبيرة على مختلف ملفات المنطقة، من سوريا إلى العراق وصولاً إلى اليمن والبحرين، كل المؤشرات توحي بإستمرار الواقع على ما هو عليه اليوم في العام 2017.
تركيا في دائرة الخطر
على مدى أشهر العام 2016، كان من الواضح أن تركيا لم تعد بعيدة عن الأحداث الّتي تعصف ببعض البلدان المجاورة لها، حيث شهدت العديد من الهجمات الإرهابية بالإضافة إلى إستمرار المواجهات مع المكوّن الكردي، إلا أن الحدث الأبرز قد يكون الإنقلاب العسكري الفاشل، نظراً إلى أنه أدّى لتحولات في السياسة الخارجية التركية، كان أبرزها توتر العلاقة مع الولايات المتحدة، بسبب إمتناع الأخيرة عن تسليم أنقرة المعارض التركي فتح الله غولن، مقابل عودة العلاقات مع روسيا إلى طبيعتها بعد أن كانت قد توترت على خلفية إسقاط الطائرة الروسية.
بالإضافة إلى ذلك، لم تكن علاقة تركيا مع البلدان المجاورة في أحسن حال، نظراً إلى رغبتها في حجز موقع لها في المشهدين السوري والعراقي، حيث توترت علاقتها مع بغداد على خلفية إصرار أنقرة على المشاركة في عملية تحرير الموصل من تنظيم "داعش" الإرهابي، في حين هدّدت دمشق أكثر من مرة باستهداف القوات التركية التي دخلت الشمال السوري ضمن عملية "درع الفرات" في حال تجاوزت الخطوط الحمراء.
على هذا الصعيد، يبدو أن أنقرة قد تواجه تطورات صعبة في العام المقبل، نظراً إلى إحتمال صدامها مع دمشق في حال نجحت في السيطرة على مدينة الباب بعد طرد "داعش" منها، بالإضافة إلى إمكانية تصاعد خلافاتها مع "قوات سوريا الديمقراطية" بسبب رغبتها بطردها من مدينة منبج، من دون إهمال التهديدات الداخلية سواء الأمنية أو السياسية منها، فالبلاد واجهت أحداثا صعبة أمنياً كان آخرها إغتيال السفير الروسي، وأخرى لا تقل خطورة على المستوى السياسي، حيث تظهر رغبة الرئيس رجب طيب أردوغان في إقرار النظام الرئاسي على حساب البرلماني.
ترامب رئيساً وفيون يتصدر
مع إقتراب هذا العام من نهايته، سرق الملياردير الأميركي المثير للجدل دونالد ترامب الأضواء، بعد نجاحه بالفوز بالسباق إلى البيت الأبيض على حساب منافسته المرشحة عن الحزب "الديمقراطي" هيلاري كيلنتون، بعد أن كانت كل إستطلاعات الرأي تعطي كلينتون الأرجحية.
وفي حين كان ترامب أعلن في خطاباته الإنتخابية جملة من المبادىء التي سيقوم عليها عهده، من العلاقة مع روسيا والصين وإيران إلى محاربة الإرهاب والدول الخليجية، كانت ملفات حقوق المرأة والعلاقة مع المهاجرين هي الأبرز، لكن هذا الإستحقاق الديمقراطي لم ينته من دون بروز تداعيات خطيرة، خصوصاً على مستوى العلاقة بين مكونات الشعب الأميركي، بالإضافة إلى التشكيك في نزاهة العملية الإنتخابية والإتهامات التي وجهت إلى موسكو من جانب الإدارة الأميركية، من دون إهمال التظاهرات الإحتجاجية في العديد من الولايات الأميركية.
على صعيد متصل، أرخى المشهد الانتخابي الأميركي بظلاله على المشهد الانتخابي الفرنسي، حيث برز سقوط كل من نيكولا ساركوزي وآلان جوبيه في السباق داخل "اليمين الوسط" مقابل صعود فرنسوا فيون، الذي تشير جميع التوقعات إلى أنه أصبح على أبواب قصر الإليزيه، الأمر الذي سيكون له تداعيات كبيرة على العلاقة مع روسيا وعلى مختلف ملفات الشرق الأوسط، نظراً إلى أن الرئيس الفرنسي المحتمل من دعاة التعاون مع موسكو، الأمر المعطوف على زلزال خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي بعد إستفتاء شعبي.
العلاقات الروسية الأميركية
بعد أن شهدت السنوات الأخيرة عودة اللاعب الروسي إلى الساحة الدولية بقوة، إنطلاقاً من الأحداث السورية، كان حضور وزيري خارجية البلدين سيرغي لافروف وجون كيري لافتاً، خصوصاً على مستوى الملف السوري، نظراً إلى تشابك وتضارب المصالح والأهداف بين الجانبين في هذه الدولة.
وخلال أشهر العام 2016، شهدت العلاقة بين الجانبين موجة متناقضة من التعاون والصدام، إلا أن الحدث الأبرز كان الغارات التي قامت بها طائرات التحالف الدولي على مواقع الجيش السوري في مدينة دير الزور، حيث وصلت الأمور إلى حد إتهام موسكو واشنطن بالتعاون مع تنظيم "داعش".
وفي حين كان الجميع يتوقع دخول البلدين في حرب إستنزاف، في حال فوز كلينتون بالإنتخابات الأميركية، أعطى فوز ترامب دفعاً قوياً لإمكانية إنتقال العلاقة بينهما إلى مسار التعاون، خصوصاً على مستوى الحرب على الإرهاب في سوريا، لكن هذا الأمر يتوقف على إلتزام الرئيس الأميركي الجديد بالوعود التي كانت قد قطعها في خطاباته الإنتخابية.
ما بين الموصل وحلب
يمكن الجزم بأن معركتي الموصل وحلب هما الحدث الأبرز على مستوى الأحداث الأمنية في سوريا والعراق، نظراً إلى أهمية المدينتين الإستراتيجية ليس فقط بالنسبة إلى البلدين بل إلى المنطقة برمتها.
على هذا الصعيد، لم تنجح القوات العراقية حتى الآن في إنجاز عملية تحرير الموصل من "داعش"، بالرغم من أن كل التوقعات كانت تتحدث عن الإنتهاء منها قبل نهاية العام الحالي، الأمر الذي يدفع العديد من الأوساط السياسية والأمنية إلى طرح جملة من التساؤلات، أبرزها السؤال حول حقيقة الدور الأميركي، لكن هذا لا يلغي التنافس السياسي بين مختلف القوى الإقليمية والدولية والمحلية حول هذه العملية، وهو ما برز من خلال التوتر الذي سيطر على العلاقة التركية العراقية في الفترة السابقة، بالإضافة إلى التجاذبات والمخاوف حول مستقبل المدينة، في ظل الدعوات التي لم تتوقف إلى تشكيل إقليم جديد يكون شبيهاً بأقليم كردستان، في حين أن الأخير لا يزال يطالب بالإنفصال عن العراق، ويطرح تحدي عدم الإنسحاب من المناطق التي تم طرد "داعش" منها على يد قوات البشمركة.
بالنسبة إلى حلب، نجحت موسكو وطهران ودمشق في إنجاز التحدي، بالرغم من كل الضغوط السياسية والإعلامية التي فرضت عليهم من قبل المحور المقابل، وتمكن الجيش السوري من إستعادة السيطرة على المدينة بعد أشهر من العمليات العسكرية توجت بالإتفاق على إخراج المسلحين من الأحياء الشرقية، بعد الوصول إلى تفاهم مع الحكومة التركية، الأمر الذي وضع فصائل المعارضة أمام جملة من التحديات بعد خسارتها أهم مدينة كانت تسطير عليها، بينما لا يمكن التكهن بشكل حاسم حول المسار الذي ستسلكه الأحداث بعد تحرير حلب، سواء كان الجلوس على طاولة مفاوضات وفق الشروط الجديدة التي يفرضها الميدان أو إنتقال المواجهات إلى مدينة أخرى، إلا أن هذا لا يلغي مشهد إستعادة "داعش" سيطرته على مدينة تدمر الأثرية بعد تحريرها، بالإضافة إلى إعلان الأكراد عن الفيدرالية في الشمال السوري.
في المحصلة، حصد العام 2016 جملة من التحولات التي لن تنتهي تداعياتها مع اليوم الأخير منه، لكن أبرز الأزمات، خصوصاً على مستوى الإرهاب، ستكون حاضرة في العام 2017، ليبقى السؤال الجوهري حول إمكانية أن يقود فوز ترامب بالإنتخابات الأميركية إلى تسوية الازمات بشكل مختلف أم تعقيدها؟