مفاجئاً لكثيرين أتى السجال العلني بين النائبين خالد الضاهر ورياض رحال، وهما اللذان كانا حتى الأمس القريب "رفيقي كتلة واحدة"، ومفاجئاً أكثر أتى حجب الضاهر للثقة عن أولى حكومات العهد، الذي بدا لوهلةٍ من "عرّابيه"، خصوصًا أنّه فجّر بذلك كلّ المعلومات التي تسرّبت في الأسابيع الماضية عن "عودة قريبة" لنائب عكّار إلى "أحضان" كتلة "المستقبل".
وإذا كانت نظرات رئيس الحكومة سعد الحريري كما وزير الداخلية نهاد المشنوق "المرتبكة" أثناء اندلاع السجال بين الضاهر ورحال أكثر من "معبّرة"، فإنّ اللافت كان حرص "المستقبل" على عدم "تضخيم" المشكل، انطلاقاً من معادلةٍ واضحةٍ تقوم عليها سياسته، ومفادها أنّ "زمن المشاغبات قد ولّى"...
جناحٌ واحدٌ...
الأكيد بدايةً أنّ كتلة "المستقبل" ما قبل عودة رئيس الحكومة سعد الحريري إلى بيروت هي غيرها كلياً كتلة "المستقبل" اليوم، أي بعد عودة الرجل من غربته القسرية إلى لبنان، وبالتالي إلى "جنّة الحكم". وفي هذا السياق، يبدو واضحًا أنّ الحريري نجح، في فترةٍ قياسيّة، في وضع حدّ لكلّ ما يُحكى عن "صراع أجنحة" داخل "الكتلة الزرقاء"، وحتى للتصنيفات الإعلامية التي كانت تتحدّث عن "صقور وحمائم" داخل التيّار.
هكذا، غابت خلال الأسابيع الماضية كلّ التحليلات والتكهّنات عن جناحين داخل "الكتلة الزرقاء"، يتزعّم أحدهما الحريري، فيما يقود الآخر رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة، الذي كان يُتَّهَم دومًا بالتغريد خارج السرب "الحريري"، خصوصًا عند الخيارات الكبرى، وحتى بتحريض "المتمردين" ومنحهم "الضوء الأخضر" للمضيّ في "مشاغباتهم" حتى النهاية.
وعلى الرغم من أنّ "التباعد" في الرؤى والمواقف بين الحريري والسنيورة لم يتبدّد عمليًا بشكلٍ كامل، إلا أنّ الواضح أنّ "الشيخ سعد" نجح في فرض مقولة "الأمر لي" داخل الكتلة "الزرقاء"، التي حرص على ترؤس بعض اجتماعاتها بشكلٍ شخصي، خصوصًا في الأوقات الحسّاسة، الأمر الذي "ضيّق" مساحة "الحرية" التي كان ينفد منها السنيورة، ومعه فريقه الخاص، ليصبح "الالتزام" بالسياسات التي يقرّرها الحريري سيد الموقف، ولعلّ اقتصار "أضرار" تبنّي الخيار الرئاسي "الأصعب" على الكتلة، بانتخاب العماد ميشال عون رئيساً، على بعض "الأوراق البيضاء" التي لجأ إليها "المشاغبون"، من دون "تداعياتٍ أكبر"، خير دليلٍ على ذلك.
وقد ترجمت السياسة "المستقبلية" الجديدة في جلسات الثقة في المجلس النيابي بشكلٍ واضح، حيث كادت "الكتلة الزرقاء" تكون الوحيدة التي تمثّلت قولاً وفعلاً بكلمةٍ واحدةٍ من كلمات النواب، التزامًا بقرار "كلمة واحدة لكلّ كتلة"، الذي خرقته معظم الكتل الكبيرة، فكان النائب سمير الجسر، المقرّب أصلاً من الحريري، هو الذي تحدّث باسم جميع أعضاء الكتلة، موّجهًا رسالة "وحدة" قلّ نظيرها في السابق.
استراتيجيّة ذكيّة؟
ولكن، إذا كانت "كتلة المستقبل" ظهرت في الآونة الأخيرة، وصولاً إلى جلسات الثقة، بجناحٍ واحدٍ لا أكثر، فإنّ الواضح أنّ الاستراتيجية التي اعتمدها رئيس الحكومة سعد الحريري اعتمدت على "الترغيب" قبل أيّ شيءٍ آخر.
ويكفي في هذا السياق التوقّف عند بعض أسماء الوزراء الذين اختارهم الحريري من حصّته في حكومة العهد الأولى، وبينهم معين المرعبي ومحمد كبارة وجمال الجراح، لفهم "الاستراتيجية" التي انتهجها الرجل، والتي قد يصفها البعض بـ"الذكية"، خصوصًا أنّ هؤلاء كانوا في مرحلة من المراحل "صقور التمرّد" داخل التيّار، فإذا بهم باتوا في موقع "السلطة". إلا أنّ ما لا شكّ فيه أنّ الحريري لم يقم بمثل هذه الخطوة كرمى لـ"سواد عيون" هؤلاء فقط، بل لأنّه أراد أن يضرب من خلالهم أكثر من عصفورٍ بحجرٍ واحد، فهو من جهة خفّف من اندفاعة "المتمرّدين" في وقتٍ هو بأمسّ الحاجة للوحدة الكاملة داخل تيّاره، كما أنّه من جهة ثانية عرف كيف يختار فريق عمل قادراً على مواجهة المعارضين الخارجين من رحم "المستقبل"، وفي مقدّمهم الوزير السابق أشرف ريفي.
في المقابل، كان لافتاً أنّ السياسة "المستقبلية" الجديدة سرت على ما يبدو على النائب أحمد فتفت، الذي ذهب بعيدًا في معارضة خيارات الحريري الرئاسية وما انبثق عنها، وصولاً إلى حدّ "الاستقلال" عن كتلته خلال الاستشارات النيابية الأخيرة. وإذا كانت "وساطة" انطلقت بين الأخير والحريري، وظهرت بوضوح خلال الاستشارات النيابية غير الملزمة، حين دخل فتفت ليلتقي الحريري مرّتين، مرّة منفرداً ومرّة أخرى ضمن وفد الكتلة الزرقاء، فإنّ الواضح أنّ "طبخة" عودته للكتلة على النار، وهي التي خفّفت من اندفاعته، خصوصًا بعد التعليقات السلبية التي سمعها من المحازبين في المؤتمر العام الأخير لـ"المستقبل".
أما النائب خالد الضاهر، فقصّته مختلفة، هو الذي ومنذ خروجه من "كتلة المستقبل"، طوعًا أو قسرًا، لم يعد يُلزِم بمواقفه "الكتلة الزرقاء" من قريبٍ أو من بعيد. وعلى الرغم من أنّ الكثير قيل بعيد الانتخابات الرئاسية عن إمكانيّة فتح أبواب "كتلة المستقبل" من جديد أمام النائب الضاهر، خصوصًا بعد الكلام "الإيجابي" الذي صدر عن الأخير بحقّ رئيس الحكومة سعد الحريري بعد تبنّيه الخيار الرئاسي الذي كان الضاهر قد سبقه إليه، لدرجة أنّ اسمه في الاستشارات النيابية الملزمة في قصر بعبدا لتسمية رئيس الحكومة كان مُدرَجًا ضمن الحكومة، كما أنّه طُرِح في وقتٍ من الأوقات للتوزير في الحكومة، لاعتباراتٍ عديدة، إلا أن الأمور يبدو أنّها ستبقى "معلّقة حتى إشعار آخر"، لا أحد يعرف إن كان سيأتي عاجلاً أم آجلاً.
الأمر لي...
"الأمر لي"، قالها الحريري للقاصي والداني داخل تيّاره منذ عودته إلى لبنان، وكرّسها في المؤتمر العام لتيّار "المستقبل".
"الأمر لي"، قالها الحريري وطبّقها، فهل ينجح فعلاً في إنهاء ظاهرة "المتمردين" و"المشاغبين" التي أرهقته كثيراً، أم أنّها مجرّد "هدنة مؤقتة" لن تلبث أن تنتهي؟!