أزمة النفايات، الضمان، الكهرباء، المياه، سلامة الغذاء وسوء الطرقات... أزمات تغلغلت في نمط حياة اللبناني، فإذا لم تنقطع الكهرباء يوما يشعر اللبناني وكأن معجزة تحققت له في هذا اليوم. هذه هي حال اللبنانيين منذ 40 عاما، فهم "يعيشون في جحيم الموت" وفق قول أحد المواطنين.
"أين الدولة؟" سؤال يُطرح كل يوم آلاف المرات لا بل ملايينها، "لماذا يوجد وزراء مختصين بهذه القطاعات ولا نرى أحدا منهم يتحرك بشكل فاعل"؟، يتساءل أحد المواطنين. ففي الدولة اللبنانية عدد الوزراء 30 مع استحداث 5 وزارات وهي وزارة دولة لشؤون للنازحين، وزارة دولة لشؤون محاكمة الفساد، وزارة دولة لشؤون رئاسة الجمهورية، وزارة دولة لشؤون المرأة، ووزارة دولة لحقوق الانسان. ولكن اعتاد اللبنانيون رؤية وسماع بحارا من الوعود ومحاولات للاصلاح، الا انه ما من شيء ملموس يُترجم على الارض. والسؤال الذي يُطرح هل من أحد يحاكم الرؤساء والوزراء على الإخلال بواجباتهم الوظيفيّة؟
بعد البحث والتدقيق، نلاحظ ان هناك مجلساً "مُخبّأً" ولا يتم الحديث عنه، مجلسٌ مختص بمحاكمة الرؤساء والوزراء يُسمى "المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء". حيث نصّت وثيقة الوفاق الوطني على تشكيل هذا المجلس، وعلى سنّ قانون خاص بأصول المحاكمات لدى هذا المجلس تحقيقًا لما نصّت عليه المادة 80 من الدستور، كما يتألف هذا المجلس من سبعة نواب ينتخبهم المجلس النيابي مع كل ولاية جديدة، وينتخب ثلاثة نواب آخرين إحتياط، اضافة الى ثمانية من أعلى القضاة اللبنانيين رتبةً حسب درجات التسلسل القضائي، أو بالنظر إلى الأقدمية إذا تساوت درجاتهم. فما الذي يقيّد فعالية هذا المجلس؟ وهل في هذا العهد الجديد والذي عنوانه "محاربة" الفساد، سيتم تفعيله؟
المجلس مسيس
"المجلس الاعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء يرأسه مجلس القضاء الاعلى وهو محكمة خاصة لرئيس الجمهورية، رئيس الوزراء والوزراء، وهو المرجع الوحيد الذي يمكن ان يحاكمهم، بعكس النواب الذين يحاكمون في المحاكم العادية"، يشير عضو تكتل "التغيير والاصلاح" النائب والمحامي غسان مخيبر، في حديث "للنشرة"، موضحاً أن "آلية عمل المجلس معقدة وتبدأ عند اتهام مجلس النواب لأحد الوزراء أو الرؤساء"، ويلفت الى انه "لم نشهد أي محاكمة انما محاولات قليلة وباءت بالفشل".
ويوضح ان الجرائم التي يبحث فيها المجلس تختلف فيما بينها، فبالنسبة الى رئيس الجمهورية فيُحاكم بتهمتي خرق الدستور أو الخيانة العظمى، اما الوزراء فتهمهم تختلف ومنها الاخلال بواجباتهم، كما يحاكم الوزير بجرائم محددة بقانون العقوبات كالفساد والرشوة واستغلال السلطة.
ويؤكد مخيبر انه "لم يحاكم أي أحد في أي مرة، وذلك لأسباب سياسية ولأن هذا المجلس ليس قضائيًّا فقط بل مختلط، وطالما هو مسيّس فلا بد ان نلاحظ ان الكتل في مجلس النواب تحمي الافرقاء التابعين لها من الملاحقة من قبل هذا المجلس"، مشيرا الى انّه "مسيس لانه مرتبط بالاكثرية البرلمانية وكل فريق يحمي فريقه السياسي، ومجلس النواب هو جسم سياسي ليس لديه حياد".
فظائع في المخالفة
من جهته، يعتبر عضو كتلة "المستقبل" وعضو المجلس الاعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء النائب هادي حبيش ان "هذا المجلس هو كالشهداء الأحياء "عايش بس مش موجود"، ويؤكد ان "آلية الاحالة في المجلس صعبة جدا، فهي تحتاج الى ثلثي النواب لتحيل المتهم الى المحاكمة، وانا كعضو في المجلس منذ العام 2005 لم تتمّ محاكمة احدهم اطلاقًا"، ممازحا "اننا نطالب بتعويض باعتبار صار لنا 10 سنوات في المجلس ولم نقم بعمل".
ويتساءل حبيش "كيف نحارب الفساد اذا لا يمكن محاسبة وزير او رئيس؟"، مشيراً الى ان "ارتكاب المخالفات وهدر المال العام لا يصح أبدا، فالرئيس او الوزير يرتكب المخالفات وهو متّكل على انه لن يتمّ جمع ثلثي النواب ضده، وهذا يشجع على الفساد للوزراء ويتم حمايتهم بالقانون، فالوزير يرتكب الفظائع لانه محمي".
ويلفت الى انه "اذا قال المواطن على الاعلام ان احد الموظفين ارتكب خطأ فتتحرك اجهزة الدولة وتحاكم الموظف، اما اذا تكلم المواطن عن خطأ او تقصير قام به احد الوزراء فلا احد يتحرك، وكأن الوزير عليه حصانة".
وفي هذا العهد الجديد، يؤكد حبيش انه "اذا تم تفعيل المجلس فعدد كبير من الوزراء سيحال اليه، ان كان بتهمة مخالفة القوانين او هدر المال العام"، مشددا على ان "هناك فظائع في مخالفة القوانين".
خلل ما في مكان ما
بدوره، يشير عضو كتلة "الوفاء للمقاومة" والعضو الرديف في المجلس الاعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء النائب نوار الساحلي، في حديث "للنشرة"، الى ان "المحاربة الرقابية غير فاعلة"، متسائلاً "الرؤساء والوزراء لا يحاكمون، ألأنهم لا يفسدون او بسبب وجود خلل ما في مكان ما؟"، ومشدداً على أن "هناك تقصير من القضاء والفساد موجود حكماً".
ويلفت الساحلي الى ان "أهمية المجلس الاعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء تكمن ببدء العمل بمحاربة الفساد من خلاله، وكنواب نطالب بتفعل الاجهزة المختصة ورفع الغطاء عن الجميع". وفي هذا العهد الجديد، برئاسة رئيس الجمهورية ميشال عون، يتمنى الساحلي ان "تتحقق محاربة الفساد وتصبح حقيقة وتشمل الجميع".
اذا للرئيس والوزير المخالف محكمة خاصة، محكمة اذا تمّ تفعيلها ربما نكون بدأنا بخطوة أولى لإنصاف المسؤول الصالح وإنصاف الوطن، محكمة اذا تم تفعيلها نعطي درساً لكل من حاول مخالفة القوانين والاخلال بواجباته، والأهم انه بتفعيل هذه المحكمة نكون قد أعدنا للبناني حقوقه بالعيش في بلد يكون فيه كل مسؤول بالفعل مسؤول عن واجباته، وفي بلد تُحل فيه الازمات العديدة. فهل يكون هذا العهد الجديد بارقة أمل للبنانيين بمحاكمة كل من يخالف، وبإبعاد المصالح السياسية عن مصلحة الوطن؟