لأنّنا في زمن صار من غير المسموح فيه بقاء الكثير من الأشخاص غارقين في عالم الجهل وعدم المعرفة وقلّة الثقافة، وفي إطار حملتنا الدَوريّة على مُضلّلي الرأي العام عبر شاشات التلفزة، لا بُدّ من الإضاءة مُجدّدًا على ألاعيب الدجّالين الذين يكسبون أموالاً طائلة على أطباق من فضّة، نتيجة إستمرار وقوع شريحة من المُجتمع اللبناني ضحيّة لألاعيب هؤلاء المدعومين من شره بعض محطات التلفزة بالإعلانات، غير آبهة بمضمون وبقيمة بعض البرامج المعروضة من قبلها.
بالنسبة إلى برامج "التبصير" الدَوريّة التي تُتحفنا بها بعض محطّات التلفزة في لبنان على مدار العام، والتي تروّج لشخصيات تدّعي إمتلاك قوى خارقة تسمح لها بمعرفة مصير أفراد عائلة ما بمجرّد ذكر إسم وعمر الشخص مثلاً، فإنّها قمّة في الإستغباء للرأي العام حيث أنّ الدجّالين الذين يُؤدّون دور "التبصير" و"قراءة مُستقبل" الناس وسرد التفاصيل عن حياتهم المُقبلة، ينطلقون من الكلمات القليلة التي ينطقها المُتصل، ومن المعلومات القليلة التي يزوّدهم بها خلال إستفساره عن أمر مُحدّد، لتكوين صورة أوّليّة وسريعة عن مُستواه العلمي (جاهل كليًا أم أمّي جزئيًا، إلخ.) وعن طبيعة شخصيّته (مُتردّد، خجول، ضعيف الشخصيّة، مُؤمن بالخرافات، إلخ.) وعن وضع الشخص المعني بالسؤال (يمرّ في علاقة فاشلة، من دون عمل، إلخ.)، قبل أن يختاروا من الإجابات المتعدّدة التي يحفظونها مُسبقًا، ما هو مناسب أكثر لإرضاء المتصل ولطمأنته، وربما العكس أيضًا لجهة جعله غارقًا أكثر في توتّره وقلقه، إلخ. ومسألة كشف بعض أوراق اللعب التي تحمل رسومات مختلفة، بالتزامن مع الإجابة على تساؤلات المُتصلين، ما هي إلا حركات وهميّة من ضمن "سيناريو" التضليل الذي يتقنه الدجّالون، علمًا أنّه يُمكن لمن يرغب شراء هذا النوع من ورق التسلية من بعض المتاجر الكبرى.
بالنسبة إلى رؤية المُستقبل وتوقّع الأحداث التي ستحصل في العام المُقبل، من قبل "مُدّعي التنجيم" الذين يُطلّون علينا عشيّة رأس السنة وحتى بشكل دَوري خلال العام في بعض الأحيان، فقد بدأ وهجها يخفّ نتيجة الحملات الإعلاميّة المُركّزة عليها من قبل مجموعة من الإعلاميّين التي لي الشرف أن أكون واحدًا منهم، ونتيجة وعي شرائح واسعة من الرأي العام اللبناني الذي صار يسخر بشكل طريف من هؤلاء الدجّالين، عبر تسخيف كلامهم و"رؤاهم" عبر مواقع التواصل الإجتماعي. وإحدى سيّدات "التنجيم" التي جمعت ثروة طائلة من تدجيلها على الشاشات، علمًا أنّها غير مُؤهّلة حتى لأن تكون "قارئة فنجان" قهوة صباحيّة من باب التسلية والمزاح، تحوّلت بسبب تقديراتها السياسيّة غير الصائبة بأغلبيّتها، لأضحوكة على كل شفّة ولسان، خاصة وأنّ تبريراتها لسوء تقديرها جاء غبيًا بامتياز. لكن وعلى الرغم من التراجع الكبير في عدد مُتابعي هؤلاء "المُنجّمين" الدجّالين، لا تزال بعض الشرائح المُجتمعيّة تتأثّر بكلام هؤلاء وتنتظرهم، وذلك بسبب "التضليل الإعلامي" الذي تعتمده شاشات التلفزة ضمن تقارير تتجاهل "الرؤى" المزعومة والتي لم تحقّق، وتُركّز على "الرؤى" المزعومة التي كان من البديهي أن تتحقّق، بحسب تحليل الصحافيّين وحتى عموم الناس وليس "المُنجّم" الكاذب وحده! كما أنّها تُركّز على "رؤى" لا تنطبق على مضمون العروض ضُمن التقرير المُرفق، حيث يبدو كلام "المُنجّم" عموميًا ويحمل أكثر من معنى، بينما التقرير المُرافق مُحدّد المضمون والزمان والمكان، بشكل لا علاقة له بكلام التنجيم المُضلّل.
بالنسبة إلى قراءة المُستقبل إنطلاقًا من حركة النجوم والكواكب، والتي تقوم الشخصيّات القائمة بها بالسخرية من "المُنجّمين" المشهورين ومن "رؤيتهم الثلاثيّة الأبعاد" للأحداث، ويدعون أنّ تكهّناتهم مبنيّة على أسس علميّة بعكس باقي مُدّعي التنجيم ورؤية الغيب، فإنّهم لا يختلفون عن باقي الدجّالين بشيء! ففي الأسواق عشرات الكُتب العلميّة والتثقيفيّة التي تؤكّد بالدليل والبرهان كذب إدعاءات هؤلاء، لأنّ حركة القمر يُمكن أن تؤثّر مثلاً على حالتي المدّ والجزر في البحار، لكن لا هي ولا حركة النجوم والكواكب يمكن أنّ تؤثّر بأي شكل من الأشكال، على الأحداث التي سيصُادفها شخص ما على مدى عام من حياته! والكتب العلميّة تُسخّف النظريّات المبنيّة على الأبراج، وتشرح أنّ هذه الأبراج تحدّدت في الماضي عندما كان الإنسان يرى جزءًا قليلاً من ملايين النجوم في السماء، وعندما كان لا يعرف غير الثور والجدي والعقرب، إلخ.(1) بينما اليوم يُمكن رسم لوحات فنّية كاملة عبر ملايين النجمات التي يُمكن تحديدها ورؤيتها بأجهزة التيليسكوب الحديثة. والعلم أكّد عبر مُتابعة حياة التوائم الذين يُولدون في التاريخ نفسه، وينشأون في البيت عينه، ويلقون التربية ذاتها، أنّ لكل شخص ضمن أيّ توأم شخصيّة مختلفة، وطباع متمايزة، ويُمكن أن ينجح أحد التوائم بينما يفشل أخاه، ويُمكن أن تكون سنته ممتازة بينما تكون سنة أخيه تعيسة. وكذب مدّعي التنجيم عبر حركة النجوم يبلغ مرحلة تضليل الناس عبر الحديث عن "علم النجوم"، علمًا أنّه لا يُوجد في العالم أجمع أي جامعة تُدرّس "علم النجوم"، لأنّه ببساطة كل ما يرتبط بالتنجيم ليس علمًا، وما تقدّمه بعض الدكاكين التجاريّة تحت ستار التدريس، ما هو إلا دورات لتضليل الناس، تعود بالفائدة المالية على الطرفين لا أكثر.
في الختام، لا شكّ أنّ "مُدعي" التبصير والتنجيم وإستشراف المُستقبل ورؤية الأحداث قبل حُصولها، إلى ما هنالك من أضاليل، سيُواصلون محاولات الكذب على الناس، لأنّهم إمتهنوا "وظيفة" تعود عليهم بالكسب الكبير والسريع والسهل. ولا شكّ أيضًا أنّ بعض محطّات التلفزة ستُتابع منح شاشاتها لهؤلاء، ظنّا منها أنّهم يؤمّنون لها المزيد من المُتابعة الجماهيريّة وبالتالي المزيد من الإعلانات. وبالتالي، الكُرة هي في ملعب الرأي العام اللبناني الذي عليه التثقّف أكثر، وعدم السماح لهؤلاء الدجّالين بخداعه بثيابهم وبحركاتهم وبكلامهم، إلخ. وعلى الفئة المُتعلّمة والمُثقّفة والواعية من المُجتمع، مُساعدة الفئة التي لا تزال تتأثّر بإدعاءات وأضاليل وكذب "الدجّالين" على إختلاف أنواعهم، إن بسبب الإفتقار للعلم وللمعرفة، أو نتيجة ضعف في الشخصيّة أو ربما بفعل الخوف من المُستقبل. وفي كل الأحوال، رجاء توقّفوا عن مُتابعة هؤلاء الدجّالين، لأنّ الوقت حان لأن تمنعوهم من إستغبائكم!