لم يكن مستغرباً ان يبدأ الحديث عن وقف شامل لاطلاق النار في سوريا تمهيداً للدخول في نفق المفاوضات للوصول الى حل سياسي للازمة السورية. صحيح ان التوقيت وحده يكون المفاجأة، ولكن المسار بشكل عام كان متوقعاً، خصوصاً بعد سقوط حلب من جهة، وبداية مرحلة جديدة منتظرة من التعاطي الاميركي الرخو مع المنطقة بشكل عام في ظل بداية العهد الجديد لادارة الرئيس دونالد ترامب الذي سيتسلم مهامه رسمياً الشهر المقبل.
الاعلان عن هذا الاتفاق والطريقة التي تم بها، جعل البعض يعتقد ان اللاعبين الآخرين على الساحة السورية باتوا خارج المعادلة، وبالاخص ايران و"حزب الله". وما عزز هذا الاعتقاد هو ما صدر عن وزير الخارجية التركي مولود جاويش اوغلو بالامس من انه "يجب على الجماعات المقاتلة الاجنبية في سوريا مغادرتها، بما فيها حزب الله".
ولكن في الواقع، لا يمكن اعتبار هذا الامر بمثابة واقع ثابت، فاللجوء الى وضع روسيا وتركيا في الواجهة، يعود الى تخفيف الاستفزاز بالنسبة الى دول الجوار، فالدول الخليجية لا تزال على علاقة متوترة مع ايران، ولا يصح في مساعي التفاوض اظهار هذه الدول، وهي مشاركة ايضاً في الوضع السوري، بمظهر الخاسر سلفاً قبل الجلوس الى الطاولة.
ومن المنصف القول ان الولايات المتحدة ستكون مع اوروبا، وفق الرؤية العامة، الخاسر الاكبر من هذه المعادلة لانه، وباختيارها، ستكتفي بالمراقبة والتعاون مع روسيا دون الدخول بشكل ميداني على الخط، اقله في المرحلة الاولى من تسلم ترامب مهامه. والضربة الاكبر للادارة الاميركية الحالية كانت في سقوط حلب قبل انتهاء ولاية الرئيس الاميركي الحالي باراك اوباما بشكل رسمي، لانه لو خرج اوباما من البيت الابيض ولم تكن معركة حلب قد حسمت بعد، لكانت الادارة الجديدة في وضع حرج لجهة كيفية التعاطي مع الازمة من النواحي العسكرية والسياسية والانسانية. ومع عودة تركيا الى لعب دور مهم على الساحة، ستبقى مع ايران تحت الجناح الروسي الذي سيكون اللاعب الدولي المسيطر، وسيكون من مصلحته حتماً كما من مصلحة باقي الاطراف غير السوريين، تقسيم سوريا الى مناطق نفوذ كحلّ سياسي مطروح، وعندها سيكون لايران حتماً حصة في هذا النفوذ المقسّم، ولن تكون خارج الحسابات بعدما شاركت ميدانياً لسنوات في دعم النظام السوري ودفعت اثماناً سياسية وبشرية كبيرة.
اما بالنسبة الى الدول العربية والخليجية بنوع خاص، فلا يمكن القول انها في موقع الرابح او المستفيد، ولو انها ليست في موقع الخاسر كلياً لانها تبقى رغم كل شيء، حاجة في المنطقة ككل. ولا شك ان التعامل معها سيكون من باب التعاون والمصالح، انما مع فارق مهم وهو ان تركيا وايران سيملكان الافضلية في التعاطي، وسيكونان لاعبين رئيسيّين في المنطقة بحيث سيفتقد الخليجيون الى الفترة التي كانوا يحددون فيها مع الولايات المتحدة القرارات في الشرق الاوسط دون التنسيق مع باقي الدول الاقليمية.
مسار التفاوض لانهاء الازمة السورية بدأ، وهو وان كان طويلاً نسبياً، يبقى الاكثر جدية منذ اندلاع الحرب هناك، ولن يجد من يعارضه بشكل جدي بعد التراجع الاميركي السياسي من جهة، و"خمول" الموقف الاوروبي من جهة ثانية، وحقيقة الوضع الميداني من جهة ثالثة. اما مصير الرئيس بشار الاسد، فسيبقى ضمن المعادلة ولكن من المبكر التسليم بأن روسيا وايران تخلتا عنه، ومن المرجح جداً ان يبقى لفترة انتقالية تمتد لسنوات قليلة، يغادر بعدها منصبه الرئاسي. ومن شبه المؤكد ان انقرة وموسكو لن تصلا الى حد التصادم بسبب مصير الاسد، ولو ان انقرة لا تدع مناسبة الا وتؤكد عدم رغبتها في بقاء الرئيس السوري في منصبه ووجوب انتهاء دوره بشكل فوري.
انه الواقع الجديد الذي بدأ يخيّم على سوريا، وسيحمل معه نتائج عدة ايجابية وسلبية لدول المنطقة العربية منها وغير العربية، التي سيقتصر دورها على "البصم" على اي اتفاق سيتم الوصول اليه.