يمكن مقاربة هذا السؤال « عنوان المقال» من زاويتين:
أ الزاوية الأولى: قريبة وملتهبة بأحداثها ونتائجها وخرائبها منذ ال2003 في العراق صعوداً نحو ال2011 تاريخ بدايات ما يسمى «ثورات الربيع العربي». تضعنا هذه الزاوية في ظلّ تشابك وتعقيدات وإفرازات تتجدّد بين الشرق والغرب كما بين الإرهاب والعالم. ويظهر العرب فيها وكأنّهم محاصرون في اختيارات صعبة تشوّه الدين بالإرهاب من ناحية وتستنفر المسلمين في البحث الغريب عن الدين بنسخه الكثيرة والمقترحة وهذه مسائل لا تؤدّي إلا إلى الدروب والأجوبة الدموية المستحيلة.
البحث عن التغيير المستورد بالقوّة يجعلنا نعيش في ملامح حرب عالمية ثالثة غير معلنة قد تناسب هويتها الجديدة ملامح عصر العولمة الذي يجذبنا ونعيشه وكأنّنا نقبض على العصر كلّه لكنّنا لا نهضمه ولن نقوى على متابعة ابتكاراته ومقتنياته الاتّصالية ونوازعه المظلمة. هكذا نستمرّ بتوجّهاتنا وتطلّعاتنا التاريخية وبأصواتنا المتشابهة والمتعدّدة منقسمين بين نقد الغرب ورفضه أو قبوله وتحدّيه، ويورثنا الوضع سياسات مشتّتة متحيّرة وكوارث مريبة قد تتجاوز كثرتنا.
نحن حيال أزماتٍ فكرية وحضارية كبرى تجعلنا نتلظّى سياسيّاً بين دولتين عظميين واحدة أمريكية تطلّ بنبرةٍ عالية مريبة وأخرى روسيّة مشغولة باستعادة عظمتها المفقودة من أرضنا العائمة بالخيرات بهدف تفريغها وتعزيز التقاتل لاستعادة مجد النصوص والأفكار وعظمتها للإبقاء علينا بلاداً من الكنوز الأرضية المهدّدة بالنفاد وتعزيز الجمود المفروض بين استبدادية الإنتاج واستبدادية الاستهلاك.
ما يستحقّ التأمّل هنا أنّ الحلول الافتراضية تبدو مسنودة بشكل دائم إلى فكرة القدريّة النهائيّة بالمعنى المألوف التي لا تحتاج إلى براهين، والتي لم يستطع التفكير السائد العام التخلّص منها، مع أنّها فكرة نلحظها تتمدّد في الأذهان وترتاح في القناعات أمام قساوة القتل والإبادات والتدمير.
ب الزاوية الثانية: وترتكز على تحقيق للفرضيّة التي ترمي بأثقال الحضارة المشرقية وأعبائها في خلط السياسة بالدين والإسلام بالمسلمين بما يجعلنا في قلب العالم وخارجه في الوقت نفسه، يغذّي حالتنا المأساوية الانصياع في البحث عن المذاهب والمدارس والاجتهادات. ويمكن حشو هذه الزاوية بالمعادلة التالية:
يتعاظم الخوف الدنيوي من الإرهاب فيوحّد البشر اليوم وفيهم العرب والمسلمون أكثر من أيّ زمنٍ مضى. ربّما هي المرّة الأولى التي يفقد فيها الفكر قدرته تحت وطأة المشاعر والانطباع الحماسي العام الذي لا يتجاوز الفكر أو التفكير لكنّه يلغيه أو يفرغه من كلّ قيمة إنسانية. هذه المعادلة تبرز أهميّتها بل خطورتها عن طريق تقييم الفكر الفلسفي مثلاً منذ الهند والإغريق وصولاً إلى حضارة العرب والإسلام. ولّد هذا الفكر تثاقفاً مثمراً وغنياً Acculturationبين الشعوب والحضارات وتأثيراً متبادلاً، وكان العرب مبدعين في المجالات كلّها تفكيراً وإنتاجاً أو عن طريق النقل والترجمة.
وعندما عجز الفكر العالمي، بفضل الجشع، عن إيجاد الأجوبة النهائية للأسئلة الكبرى وفشل فشلاً ذريعاً في توحيد البشر راحت البشرية تتواضع نحو البحث عن مسائل عصرية مثل البيئة والصحة والرياضة أي أنّها خرجت من مقولة التفكير الإيجابي إلى ضرورة العيش باعتبار الحروب تفرض البقاء أكثر من التفكير. وأُفشلت الأديان التوحيدية في توحيد البشر ومثلها اهتزّت صدقيّة العلم الذي بلغ المستحيل في صناعة الأسلحة وتغذية الحروب وتسخير المعارف والتكنولوجيا لأغراض الهجوم والعنف والبراعة في القتل.
قد تقوى المعضلات التي نعاني منها اليوم، بعد انكشاف المجتمعات وسقوط الأغطية والأساطير وزوال الحدود والحواجز الثقافية واللغوية بين الشعوب، في عصرٍ من أوهام التواصل الإنسانيّة والألعاب بين أهل الكوكب حيث يعوّض نجاح التكنولوجيا في تقريب البشر توغّلا لغرائز أكثر فأكثر في العنف. لكنّ الخطير جدّاً هو أنّ العالم الذي يرعبه الإرهاب ما عاد يراه إلا في مواقعنا وبلادنا العربيّة، ويفاقم خوفه هاجس السلاح النووي أو فتاته الذي بات بحوزة بعض الدول الإقليمية أو الفصائل الإسلامية الإرهابية التي لا تقرّ بالقوانين الدولية والأنظمة الدولية الموصومة ب«الكافرة»، بما يضاعف هذا الخوف أو يتجاوزه عندما يقرع الإرهابيون متحدّين عواصم العالم بتفجيراتهم المتلاحقة.
كيف نخرج من هذا الموقع الثقيل، ونتخلّص من أعبائه؟