هز قرار مجلس الأمن الدولي، الداعي إلى وقف الاستيطان، «إسرائيل» حكومة وأحزابا. فالقرار يطالب «إسرائيل» بأن «توقف فوراً، وفي شكل تام، كل الأنشطة الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية»، معتبراً المستوطنات الإسرائيلية «بلا أي أساس قانوني، وتعوق في شكل خطير فرصة حل الدولتين». وقد حاز القرار على تأييد 14 عضواً، فيما امتنعت الولايات المتحدة عن التصويت، الأمر الذي شكل صفعة قوية لحكومة بنيامين نتانياهو التي طالما أدارت الظهر لكل النداءات والمطالبات الأميركية الغربية لتجميد الاستيطان واستئناف المفاوضات على قاعدة حل الدولتين. فالحكومة الإسرائيلية لم تكن تتوقع أن يصل الأمر حد إقدام هذه الدول الغربية على مثل هذه الخطوة، وكانت تراهن على أن هذه الدول، وفي المقدمة أميركا سوف تمنع، كعادتها، صدور أي قرار ضد «إسرائيل» وذلك انطلاقاً من العلاقات التحالفية الاستراتيجية التي تربط «إسرائيل» بهذه الدول الغربية الاستعمارية التي زرعت «إسرائيل» في قلب الوطن العربي، ومدتها ولا زالت بكل أسباب القوة، ووفرت لها الحماية من أي عقاب دولي على سياساتها العدوانية وجرائمها التي ارتكبتها بحق الشعب العربي في فلسطين والدول العربية.
على أن الأحزاب الإسرائيلية المعارضة لنتانياهو حمّلت الأخير المسؤولية عن صدور مثل هذا القرار الذي وضع «إسرائيل» في حالة عزلة دولية، فلم يقف معها أحد، حتى أميركا امتنعت عن التصويت ولم تستخدم الفيتو.
هذا التطور الصادم لـ «إسرائيل» دفع الصحف الإسرائيلية إلى توجيه انتقادات شديدة إلى رئيس الحكومة الإسرائيلية مشيرة إلى أن «هجوم نتانياهو على إدارة أوباما هو جزء من العمى السياسي. فحقيقة أن باراك أوباما قد امتنع عن العمل ضد إسرائيل في مجلس الأمن لم تساعد إسرائيل بل أضرت بها».
أما الرد الهيستيري لمكتب نتانياهو على قرار مجلس الأمن فانه لا يؤدي إلاّ إلى تعريض «إسرائيل» إلى مزيد من العزلة الدولية، وتهديد نتانياهو فرض عقوبات على الدول التي عملت على اتخاذ القرار، سوف يرتد سلباً على «إسرائيل»، وهو ما جعل صحيفة هآرتس الإسرائيلية تسارع إلى وصف هذا التوجه قائلة: «يجب أن نرى في ذلك جزءاً من رحلة الخراب التي يقودها رئيس الحكومة.. نتانياهو يدفع إسرائيل باتجاه هاوية سحيقة من العزلة الدولية ويعبر عن استخفافه بكل من يتجرأ ويطلب منه وقف مشروع الاستيطان.. وأن اعتماد نتانياهو على دونالد ترامب، الذي سيدخل قريباً إلى البيت الأبيض، والذي كان قد أعرب عن معارضته للقرار في مجلس الأمن، لن ينقذ إسرائيل من الهاوية، وعلى اليمين الإسرائيلي، وفي مقدمته نتانياهو، إجراء عملية محاسبة عميقة للذات».
لكن على الرغم من أن القرار شكل ضربة موجعة لسياسة الاستيطان الإسرائيلية، ومثل مكسباً معنويا للشعب الفلسطيني إلا أنه لا يجب الذهاب بعيداً واقامة الاحتفالات والحديث عن انتصارات، وإنما ما هو مطلوب فهم الخلفيات التي دفعت الدول الغربية إلى تأييد هكذا قرار، واستطراداً حدوده، وبالتالي إدراك كيف يمكن الاستفادة من المناخ الدولي المتشكل ضد السياسات الإسرائيلية العدوانية، في سياق استراتيجية وطنية فلسطينية لتصعيد المواجهة ضد الاحتلال الإسرائيلي على المستويات كافة.
يجب التنبه إلى أن التصويت الغربي وامتناع الولايات المتحدة وعدم استخدامها الفيتو لا يعني أن هذه الدول تخلت عن دعم «إسرائيل» وأصبحت تقف إلى جانب حقوق الشعب الفلسطيني.
فقرار الدول الغربية يهدف إلى حماية «إسرائيل» من نفسها، وتنبيهها إلى خطورة النتائج التي ستترتب إن هي واصلت سياسة إدارة الظهر للتسوية السياسية للصراع وأمعنت في سياسة الاستيطان وتدمير حل الدولتين، فمثل هذه السياسة سوف تضع «إسرائيل» في مواجهة مع العالم ويصعب على أميركا والدول الغربية الدفاع عنها ومواصلة حمايتها لأن هذه السياسة الإسرائيلية الساعية إلى فرض وتكريس الدولة اليهودية في كل فلسطين ستقضي على آمال المراهنين على تحقيق التسوية، وستجعل الشعب الفلسطيني يعيش في نظام تمييز عنصري على غرار نظام الفصل العنصري الذي كان قائما في جنوب أفريقيا، الأمر الذي يؤدي إلى انهيار السلطة الفلسطينية وتهميش وإضعاف التيار الذي راهن على المفاوضات وقدم التنازلات لـ «إسرائيل» ولم يحصد سوى الذل والخيبة.
إن مثل هذه النتيجة للسياسة الإسرائيلية لن تبقي أمام الشعب الفلسطيني من خيار سوى الانخراط بقوة في الانتفاضة والمقاومة ضد الاحتلال، وبالتالي تصعيد الصراع في كل المنطقة وعودة القضية الفلسطينية لتحتل صدارة الاهتمامات، وتحظى بالدعم والتأييد العربي والإسلامي والدولي، وسط تصاعد الإدانات الدولية لسياسات القمع والإرهاب والتمييز العنصري التي تمارسها «إسرائيل» ضد الشعب الفلسطيني.