مع بداية العام الجديد، تصاعدت الخلافات بين قيادة كل من حركة "أحرار الشام" وجبهة "فتح الشام" على خلفية مشروع الإندماج بين فصائل المعارضة السورية، في ظل إستمرار تداعيات الهزيمة التي تعرضت لها تلك الفصائل في مدينة حلب.
بالتزامن، لم تكن الولايات المتحدة الأميركية بعيدة عن هذه الأجواء، حيث عمدت إلى إستهداف قيادي جديد من قيادات جبهة "النصرة" سابقاً غير السورية، هو أبو عمر التركستاني، في إطار السعي إلى إبعاد الجناح الأجنبي عنها تمهيداً للإستفادة منها في مرحلة لاحقة، والتركستاني من قياديي الصف الأول في "فتح الشام"، وكان مرشحاً لتولي مجلس شورى الاندماج المرتقب بين الفصائل.
في هذا السياق، كانت إنطلاقة الخلاف الجديد من خلال إصدار شخصيات محسوبة على المجموعات المعارضة، أبرزها السعودي عبدالله المحيسني، فتوى بخصوص الاندماج الأخير بين الفصائل، تحت مسمى "عام الجماعة"، أكدت على "ضرورة الالتزام بالاندماج"، و"حرمة النكث بالعهود"، ومشيرة إلى كل من "أحرار الشام" و"فتح الشام" وحركة "نور الدين الزنكي" و"أجناد الشام" و"لواء الحق" والحزب "الإسلامي التركستاني" و"أنصار الدين"، حيث سارع رئيس المكتب السياسي في "أحرار الشام" لبيب النحاس إلى الرد، مستغرباً استعمال فتاوى لفرض إندماج تم نقده لأسباب موضوعية وواقعية وليس لأسباب شرعية، إلا أن الأمور لم تتوقف عند هذا الحد، حيث تبين أن بعض "الشرعيين" الواردة أسماؤهم في الفتوى لم يشاركوا فيها.
وفي حين عمل الفريق المؤيد على حشد مناصري الاندماج عبر استبيان أطلقه، وأورد أسماء شرعيي الفصائل المؤيدين له، ومؤسسات إعلامية وفصائل عسكرية، أصدر شرعيون بياناً تحت مسمى "جواب على فتوى طلبة العلم حول الاندماج" لدعم موقف "أحرار الشام"، أوضحوا فيه أن رؤية الاندماج التي يراها علماء "عام الجماعة" توحيداً للصف واستجلاباً للنصر، يراها آخرون سبيلاً لدمار الساحة، واستجلاباً للقتال الداخلي، وإسالة الدماء.
على هذا الصعيد، توضح مصادر متابعة، لـ"النشرة"، أن بيان "عام الجماعة" جاء للضغط على "أحرار الشام" من أجل إلزامها بالإندماج الذي ترفضه، نظراً إلى التداعيات المحتملة عليه، خصوصاً أنه يضم فصائل مصنفة إرهابية، بالإضافة إلى رفض الحكومة التركية له بأي شكل من الأشكال، في حين أن الحركة، لا سيما الجناح السياسي منها الذي يقوده النحّاس، لا تريد الدخول بأي مغامرة غير محسوبة النتائج، وتضيف: "على ما يبدو فتح الشام تريد إستغلال خلافات الأحرار لتوجيه ضربة قاسية لها في الأيام المقبلة".
بالنسبة إلى هذه المصادر، الحركة لا تعيش أفضل أيامها في الوقت الراهن، نظراً إلى الخلافات الداخلية التي حصلت بين قياداتها لحظة إجتماع مجلس الشورى فيها لإنتخاب أميرها الجديد، حيث أن إنتخاب علي العمر لم يتم إلا بعد تجميد 8 أعضاء نشاطهم في هذا المجلس، ومن ثم قيام المعارضين، الذين يعتبرون من الجناح المتشدد، بالإعلان عن تشكيل "جيش الأحرار" من دون علم القيادة، وترى أن هذا الواقع يهدد "أحرار الشام" بالإنقسام، نظراً إلى أن الجناج المعارض نفسه مقرب من "فتح الشام"، وهو من الداعين إلى الإندماج معها.
في المقابل، توضح المصادر نفسها أن "فتح الشام" تعيش قلق التخلي عنها من قبل مختلف الفصائل السورية المعارضة، بعد الهزيمة التي وقعت في حلب، ومن ثم ذهاب الحكومة التركية إلى إبرام الإتفاقات مع الحكومة الروسية، وهي تعتبر أن هذه الفصائل لا تستطيع الخروج من عباءة أنقرة بأي شكل من الأشكال، خصوصاً أنها تقاتل تحت قيادتها في عملية "درع الفرات"، في حين هي تصنف إرهابية من جانب تركيا بالرغم من التعاون المعروف بين الجانبين.
وتشير هذه المصادر إلى أن هذا القلق هو الذي دفع الجبهة إلى تقديم التنازلات طوال الفترة السابقة، من إعلان فك الإرتباط مع "القاعدة" إلى تغيير الإسم، وصولاً إلى الموافقة على التخلي عن القيادة في الإندماج الجديد من دون أن تصل إلى أي نتيجة، وتعتبر أن "فتح الشام" تدرك أن "عزلها" من قبل الفصائل يعني تمهيد الطريق أمام محاولات القضاء عليها، كما يحصل في تنظيم "داعش" الإرهابي، في حين أن الإندماج سوف يسمح لها بالبقاء بعيداً عن دائرة الإستهداف.
في الختام، ترجح هذه المصادر في ظل هذا الواقع أن تكون الساحة في نهاية المطاف ذاهبة نحو إنقسام حاد بين مجموعتين، الأولى تقودها "أحرار الشام" وتضم فصائل المعارضة التي تدور في الفلك التركي، والثانية تقودها "فتح الشام" وتضم الفصائل ذات التوجهات المتشددة، وترى إمكانية حصول إنشقاقات داخل بعض الفصائل بسبب ذلك، ولا تستبعد الصدام بين المجموعتين في المستقبل القريب.