يفتح العام الجديد 2017 أيامه الاولى، على جملة من التطورات السياسية والمخاوف الامنية بعد تحذيرات لبنانية رسميّة من امكانيّة قيام عدد من المطلوبين داخل مخيم عين الحلوة باستهداف الاستقرار اللبناني، وذلك بعدما اقفل العام الماضي 2016 فلسطينيا على توتير أمنيّ خطير فيه من اغتيالات واشتباكات أقلقت المسؤولين الفلسطينيين واللبنانيين على حد سواء واراقت المزيد من الدماء.
في الوقت الذي كانت فيه حركة "فتح" تحتفل بذكرى بانطلاقتها الثالثة والاربعين، وسط تحدٍّ للمخاطر الامنية، حفلت الايام الاولى من السنة الجديدة بتطور لافت تمثل بالتحذير اللبناني، الذي أبلغه رسميا مدير فرع مخابرات الجيش اللبناني في الجنوب العميد الركن خضر حمود، الى وفد من "اللجنة الامنية الفلسطينية العليا" في لبنان برئاسة قائد الامن الوطني الفلسطيني اللواء صبحي ابو عرب، خلال لقاء جمعهما في ثكنة محمد زغيب العسكرية في صيدا، وفيه معلومات عن خفايا اعترافات موقوفين عن عمل أمني كبير يجري التحضير له في مخيّم عين الحلوة من قبل مطلوبين وعن استعداد آخرين للانتقال من او الى المخيم، معتبرا ان ذلك يستدعي دقّ ناقوس الخطر مجددا وضرورة اتخاذ التدابير والإجراءات الكفيلة بإحباط أي عمل امني داخله لجهة اغتيالات قد تطال مسؤولين بارزين في "فتح"، او امكانية انتقال بعض المطلوبين من او الى المخيم"، مؤكدا أن الجيش باشر تنفيذ اجراءات أمنيّة مشدّدة عند مداخل المخيم لاحباط هذه المحاولات وايقاع الفتنة بين الطرفين.
مقابل هذا التطور، فان العام 2016 اقفل فلسطينيا على خمسة احداث بارزة:
الاولى، العملية النوعية التي نفذتها قوات النخبة في مديرية مخابرات الجيش اللبناني في "حيّ الطوارئ" داخل مخيم عين الحلوة في 22 ايلول الماضي، وإلقاء القبض على أمير "داعش" عماد ياسين (47 عاماً)، الذي كلّفه التنظيم الإعداد لعمليّات أمنية في الداخل اللبناني ضدّ مراكز الجيش ومرافق حيوية وسياحية وأسواق تجارية وتجمعات شعبية وأماكن سكنية في أكثر من منطقة لبنانية، وتعتبر هذه العملية هي الاولى من نوعها في المخيمات الفلسطينية ورسالة حاسمة الى "القوى الاسلاميّة" المتشدّدة بأنّ يد الجيش قادرة على ان تطالهم في اي مكان يمكن الوصول اليه، في الوقت الذي كان يخشى فيه من توتير امني في بعض المناطق اللبنانية امتدادا لما يجري في سوريا.
الثانية، بناء الجيش اللبناني جدارا اسمنتيا حول مخيم عين الحلوة في تشرين الاول الفائت وتحديدا من الجهة الغربية الجنوبية لتأمين الحماية لقوافل قوات الطوارىء الدولية "اليونيفيل" على الطريق الساحلية الجنوبية المحاذية للمخيم، ومستقبلا لشركات النفط التي ستحضر الى لبنان للتنقيب عنه، (على الرغم من أن الحائط المبنيّ كان اتّفق على بنائه مع القوى الفلسطينيّة الفاعلة) والضجّة التي افتُعِلَتْ حوله بوصفه أوصافًا غير لائقة بحق الدولة اللبنانيّة والجيش اللبناني وأدّت الاعتراضات الى ايقافه وتوضيحات من قيادة الجيش بانه سور وليس جدارا، واتفاق تقوم الفصائل الفلسطينية بموجبه باعداد "خطة أمنية" لتحصين إستقرار المخيم والجوار اللبناني كبديل عنه، وهي تحاكي هواجس اللبنانيين في استهداف أمنهم الوطني بعد اعترافات ادلى بها موقوفون مطلوبون للعدالة ومنهم ياسين نفسه والتي تقاطعت مع معلومات وتقارير امنية وعمليات رصد لحركة "المشبوهين".
الثالثة، عمليات الاغتيالات والاشتباكات حيث سجل ستّ عمليات اغتيال، بدأت باغتيال عبد الله قبلاوي في آذار 2016 (جرى قتل محمود الناطور انتقاما بعد اتهام شقيق عمر الناطور بتنفيذ العملية)، ثم علي رضا عوض المعروف بـ"البحثي" شقيق مرافق اللواء منير المقدح في تموز الماضي، ثم سيمون طه في ايلول الماضي، مقتل محمد الكوتا في تشرين الاول 2016 بظروف غامضة، سامر حميد الملقب "نجمة" ومحمود صالح في كانون الاول الفائت ثم ابراهيم منصور في نهاية العام.
واظهرت هذه الاحداث الامنية، ان القوى الفلسطينية عاجزة عن اعداد خطة امنية لتقع باحراج كبير امام حكومة سعد الحريري الاولى في ولاية رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، فيما عادت الى الظهور نغمة ان الخلافات السياسية اللبنانية تجاه عين الحلوة ما زال شاسعا باغفال بند اقرار الحقوق المدنية والاجتماعية والانسانية للشعب الفلسطيني في لبنان، المحروم منها منذ عقود طويلة على قاعدة فتح حوار يعزز الامن ويجنب المخيّمات تداعيات ما يجري في المنطقة وخاصة في سوريا مع انتهاء معركة حلب لصالح النظام السوري.
الرابعة، هي عمليات تسليم المطلوبين لانفسهم طوعا في المخيمات الفلسطينية، بدءا من عين الحلوة مرورا بمخيم الميّة وميّة وصولا الى مخيّم الرشيديّة لانهاء ملفاتهم الامنية، وهؤلاء مطلوبون بموجب مذكرات توقيف او اطلاق نار او بلاغات بحث وتحرٍّ، او تقارير أمنيّة أو تهم الانتماء الى تنظيمات أصولية تكفيريّة متشددة او محظورة والانتماء الى جماعة الارهابي احمد الاسير الموقوف منذ سنه تقريبا في السجون اللبنانية والذي يحاكم بجريمة الاعتداء الجيش اللبناني في عبرا.
الخامسة، الانتفاضة السياسيّة والشعبية الفلسطينية ضد وكالة "الاونروا" بعد قرارات تقليص خدماتها منذ مطلع العام 2016، والقيام بسلسلة تحركات كبيرة في مختلف المخيمات ومنع كبار موظفي المؤسسة الدولية من الدخول اليها، وصولا الى قرار نقل المدير العام ماتياس شمالي الى سوريا، وتعيين مدير جديد بالانابة حكم شهوان للمرة الاولى عربي من اصل فلسطيني، فعمل على مدّ جسور الحوار مع القوى السياسية واللجان الشعبية والحراك المدني والشبابي وزيارة الامين العام للأمم المتحدة بان كي مون الى مخيم نهار البارد، والاطلاع على مشاريع اعماره وهي ارفع زيارة لمسؤول اممي الى مخيّمات لبنان منذ عقود طويلة، وسط وعود باستكمال عملية الاعمار بعد توجيه "نداء استغاثة" للدول المانحة للتبرع بالاموال اللازمة وقد توفّر جزء كبير منها.