سنة جديدة تبتدئ، وآمال تعقد على انتظام عمل الدولة ومؤسساتها، ذلك لأنّ فرصاً قد فاتت لبنان في المرحلة السابقة، حيث كانت إدارات الدولة ومؤسساتها معطلة، لأنّ لبنان بقي على مدى عامين ونيّف بلا رئيس للجمهورية.
في السنة الجديدة يتطلع اللبنانيون إلى غد واعد مشرق، إلى دولة قوية قادرة وعادلة، دولة الرعاية الاجتماعية والمواطنة السليمة، دولة متحرّرة من نظامها الطائفي المسؤول عن توليد الأزمات والنزاعات والحروب كالتي حصلت في العام 1975.
تلك الحرب لم تنتهِ إلاّ بعد اتفاق الطائف 1989، لكن ما هو مؤسف أنّ المندرجات الإصلاحية في اتفاق الطائف لم تترجم على أرض الواقع، وبقيت حبراً على ورق الاتفاق، حتى أنّ هذا الحبر يتلمّس ورق البيان الوزاري للحكومة الجديدة، فقد استعصى البيان الوزاري على إدراج تشكيل «الهيئة الوطنية العليا لإلغاء الطائفية السياسية» على طريق إلغاء الطائفية، كما ورد في المادة 95 من الدستور!
والسؤال، كيف يمكن تجاهل مندرج إصلاحي هو إلغاء الطائفية، في حين يكثر الحديث عن بناء دولة المواطنة؟
إذا كان السبب مرتبطاً بأنّ عمر هذه الحكومة قصير ومحتوم، فهذا ليس تبريراً لتغييب المندرجات الإصلاحية، فكلّ الحكومات قصر عمرها أم طال معنية بأن تضع في سلم أولوياتها تطبيق ما نصّ عليه الدستور، وهذه حكومة الرئيس تمام سلام، شكّلت لبضعة أشهر فطال بها الزمان لسنتين ونيّف.
اللبنانيون يتطلّعون إلى قانون جديد للانتخابات النيابية يقوم على أساس الدائرة الواحدة والنسبية الكاملة خارج القيد الطائفي، لأنه القانون الذي يخرجهم من الطائفية التي تكرّست منذ تأسيس الكيان، الى رحاب الوحدة الاجتماعية والمواطنة الحقيقية، لكن البيان الوزاري آثر أن يضع نصاً عمومياً، علماً أنّ الناس بحاجة الى التحديد والتعيين.
الشباب في لبنان يتطلعون إلى اعتماد سن الثامنة عشرة سناً للاقتراع بما يتيح مشاركتهم في مهمات بناء الدولة، لكن هذا الأمر يُدفع من سنة إلى سنة، فتضيع السنوات وتضيع معها أحلام الشباب بالتغيير والإصلاح.
لبنان يدخل مرحلة جديدة، برئيس للجمهورية يؤمن بالتغيير والإصلاح ومحاربة الفساد، وحكومة تقع على عاتقها مسؤوليات كبيرة، لذا، يجب أن تنصبّ كلّ الجهود من أجل جعل هذه المرحلة الجديدة فرصة للتخلص من النظام الطائفي، الإقطاعي، الطبقي، وتثبيت دعائم بناء الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة.
لا يبقى لبنان إذا بقيت أوضاعه وتركيبته الطائفية والمذهبية على ما هي عليه، فبقاء لبنان في الزمن الجديد يتطلب خطوات إصلاحية بنيوية وقناعات راسخة بالتغيير.
المهمات الجديدة في العصر الجديد لا بدّ أن ترقى إلى مفاهيم جديدة. مفهوم الحداثة أن تبنى الدولة على المواطنة السليمة والمساواة في الحقوق والواجبات، وإلغاء كلّ أشكال التمييز وتحصين الوحدة الاجتماعية ضدّ كلّ أشكال الانقسامات الطائفية والمذهبية.
المهمات الجديدة هي وضع قانون جديد للانتخابات النيابية يحقق صحة التمثيل وعدالته، ويشكل فاتحة لتحقيق الإصلاح على المستويات كافة، وليس قانوناً يؤمّن مصالح الطوائف والمذاهب والإقطاعيات.
المهمات الجديدة التمسّك بكلّ عناصر قوة لبنان، وتوفير كلّ الدعم للجيش اللبناني بوصفه صمام أمان لاستقرار لبنان في مواجهة الاحتلال والإرهاب والتطرف.
المهمات الجديدة في العام الجديد يجب أن تكون إصلاحية بامتياز وبحجم أحلام الناس وتطلعاتهم.