يقع هذا العيد في السادس من كانون الثاني وتحتفل بعض الكنائس الشرقيَّة في اليوم ذاته بعيد الميلاد، وانطلاقاً من هذا نتأمّل في :
1 – إذا فهمنا أنَّ الميلاد هو مولد المسيح الطفل، فهذا لم يحصل في السادس من كانون الثاني، أمَّا إذا فهمنا اعتلان يسوع مسيحاً لله، بمعنى أنَّ المسيح المنتظر من شعب الله، قد وُلِد، أي بانَ أمام أعينهم بشهادة يوحنَّا والآب من السماء والروح القدس الذي ظهر بشبه حمامة، فإنَّ السادس من كانون الثاني حقيقةً عيد ميلاد المسيح المنتظر، وبهذا ما من فرق إطلاقاً بين الكنائس التي تحتفل في هذا اليوم بعيد الدنح أو الظهور، والكنائس التي تحتفل بعيد الميلاد أو اعتلان السيد المسيح.
أمَّا الدنح فهي كلمة سريانية وتعني الظهور، وهي مرتبطة بما ذكرنا حتَّى الآن. أمَّا الغطاس فهي مرتبطة بالغطس في نهر الأردن حين اعتمد يسوع.
2 – اعتاد الناس في هذا العيد أن يتبادلوا التهاني بكلمة دايم دايم، والدايم دايم هو الله الذي لا يحدُّه زمان، فهو أزلي أي لا بداية له، وأبدي أي لا نهاية له. والعلاقة بين عيد الدنح وهذه الطريقة بالمعايدة، هي اعتلان الثالوث الأقدس عند مياه الأردن ساعة اعتمد يسوع، فالله السرمدي الأزلي الأبدي، تجلَّى للعين بالمسيح والروح القدس، وللأذن بصوت الآب من السماء وبالتالي للإيمان، لمن يريد أن يؤمن.
3 – ولأنَّه الدايم دايم جرت العادة أن تصنع سيِّدات البيوت الحلوى للضيافة والمعروفة باسم الزلابية. لماذا هذه الحلوى بالذات وليس أي نوع آخر؟
- لأنَّ الضيافة قديماً كان معظمها من صنع أهل البيت فاختاروا للميلاد نوعاً وللفصح نوعاً وللبربارة نوعاً وهكذا ارتبطت الضيافة بالعيد، وهذا ليس دون هدف، فالزلابية تُصنع من العجين والعجين بحاجة الى خميرة كي يختمر ويطيب، والخميرة كانت تنتقل وتؤخذ من عجنة الى أخرى مدى العمر أحياناً، فاقترنت الخميرة بالاستمرار والزمن الدايم. فالدايم دايم وملك الزمن وربُّه الذي لا يحصره زمن، لازمت عيده الخميرة والعجينة والزلابية التي تعني الاستمرار كما قلنا. لأجل ذلك كانت العروس تلصق خميرة فوق عتبة بيتها، لأنَّ العروس ستلد البنين وتفتح البيت وتؤمّن الاستمرار لهذه العائلة التي قدِمت إليها.
4 – بهذه المناسبة نمِّيز بين معموديَّة يوحنَّا للناس وللمسيح، والمعموديَّة التي تمنحها الكنيسة منذ الرسل حتى اليوم والى ما شاء الله، عملاً بكلمة السيد المسيح إذهبوا وتلمذوا كلَّ الأمم وعمّدوهم باسم الآب والإبن والروح القدس.
فمعموديَّة يوحنَّا علامة توبة واستعداد لمجيء المسيح. أمَّا معموديَّة الكنيسة فهي ولادة جديدة ودخول سر المسيح عبر الكنيسة، وبالتالي وضع الخطوة الأولى على طريق الحياة الأبدية، تطبيقاً لكلام المسيح لنيقوديموس: مَنْ لم يولد من الماء والروح ولادة ثانية لا يدخل ملكوت السماوات.