المطران كبوجي أحد الرواد الكبار في عالم النضال والمقاومة، كان له التأثير البليغ في مقارعة المشروع الصهيوني أكثر بكثير من أنظمة رسمية، كانت على الدوام تتذرّع بموازين القوى والإمكانات والضغوط الخارجية لتتهرّب من مسؤولياتها في دعم القضية الفلسطينية، بينما كان المطران الثائر هيلاريون كبوجي يصول ويجول بمفرده ممتلئاً بالإباء والشجاعة والجرأة والأمل بإزالة هذا الكيان المصطنع وعودة كلّ شبر من فلسطين إلى أهله وأصحابه.
كانت القضية الفلسطينية للمطران، هي حياته ومماته، ومسكنه وساحة عمله، حتى اعتُقل وسُجن ثم نُفي، لكن ذلك لم يفتّ من عضده، ولم يخضع لقواعد العدو الصهيوني أو يستجيب لإيحاءات بعض الأنظمة العربية المتهالكة بأن يلوذ بالصمت، بل كان في كلّ محطة تاريخية وعمرية يزداد صلابة ورسوخاً على مواقفه.
المطران رجل السلام والمحبة. أينما ذهب وحلّ كان ينشر رسالة السماء التي تدعو إلى الخير ونبذ الكراهية والأحقاد وإحقاق الحق وإزهاق الباطل. بلباسه الديني اشترك مع أخوته المسلمين في جمع الناس على كلمة سواء بعيداً عن أعمال التسلط والقهر والعنف. والمطران كبوجي لم يصنع عدواً وهمياً بديلاً عن الكيان «الإسرائيلي» بل كان يعلم علم اليقين أنّ أساس الشرّ في المنطقة هو هذا الكيان، فالتقى مع الإمام موسى الصدر والإمام الخميني في تحشيد الجماهير وتوحيدها لنصرة الشعب الفلسطيني المظلوم.
ثم كان له الموقف اللافت والمشرف مع اندلاع الحرب الكونية ضدّ سورية. لم تلتبس عليه الأمور ولم ينخدع بالدعايات الغربية والعربية، ولم تشدّه الثورات التي تقوم على أشلاء الدول والشعوب.
كان رؤيوياً وبصيراً ومدركاً أنّ ما تتعرّض له سورية ليس له علاقة بالثورة مطلقاً وإنما هي خدعة من خدع أميركا والصهيونية لتدمير هذا البلد المقاوم بأدوات عربية وإسلامية.
رحل المطران الثائر وفي جعبته آلاف المواقف البطولية وتاريخ مليء بالنضال من أجل الحق والعدالة، رحمه الله وأسكنه الفسيح من جناته.