اشار رئيس تحرير صحيفة "هآرتس" الاسرائيلية ألوف بن، الى انه كلمّا تقدّمت إسرائيل في مشروعها النووي باتت أميركا تميل لها أكثر وتوافق على مساعدتها بالسلاح، بالمال وبالدعم السياسيّ، وبالمُقابل تعهدت إسرائيل منذ 1969 بالغموض وعدم كشف قدراتها وعدم إجراء تجربةٍ نوويّةٍ، وقد وُلِدَت هذه السياسة من قبل، وهي اليوم تقبع في أساس علاقات إسرائيل مع الولايات المتحدة، على حد قوله.
وبحسب الصحيفة الإسرائيليّة، فقد جاء في وثيقةٍ أميركيّةٍ كُشف النقاب عنها في صيف العام 1974 وصُنفّت على أنّها سرية للغاية في أرشيف الـ"CIA": إننّا لا نتوقع أنْ يقوم الإسرائيليون بتأكيد هذه الشكوك المنتشرة بشأن قدراتهم، سواء في التجربة النوويّة أوْ في التفعيل، إلّا إذا كان هناك خطر شديد على مصير الدولة العبريّة، قالت الوثيقة.
وفي السياق عينه، كشفت مجلة "فورين بوليسي" الأميركيّة، عن وثيقةٍ أعدّتها وكالة الاستخبارات المركزيّة مطلع الثمانينيات تتضمن تقديرات تُرجّح وجود مشروع إسرائيليّ لتطوير وإنتاج أسلحةٍ كيميائيّةٍ وبيولوجيّةٍ. وبحسب الوثيقة فإنّ إسرائيل قررت تطوير هذين النوعين من الأسلحة كإحدى الخلاصات والدروس التي توصلت إليها بعد حرب تشرين عام 1973 وشعورها بالتهديد الوجوديّ حيّال الهجوم العربي آنذاك.
والوثيقة التي نشرتها المجلة الأميركيّة كعنوانٍ رئيسيٍّ في موقعها على الإنترنت موجودة في مكتبة "رونالد ريغان" الرئاسيّة في كاليفورنيا، ويعود تاريخ تحريرها إلى عام 1982 في إطار مشروع مسح شامل أجرته وكالة الاستخبارات الأميركيّة في حينه حول ترسانات أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط. وكانت السلطات المختصة قد سمحت بنشر معظم أجزاء الوثيقة في السنوات السابقة، وبقي الجزء المتعلّق بإسرائيل سريًا حتى الآن.
وتتحدّث الوثيقة عن اعتقاد الاستخبارات الأميركيّة بأنّ إسرائيل تمتلك بضع مئات من الرؤوس النوويّة، إضافة إلى قنابل هيدروجينية، وتشير إلى أنّ صورًا التقطها أقمار صناعية أمريكيّة تكشف على ما يبدو عن تطوير وتخزين غاز أعصاب. ويُرجّح معدو الوثيقة أنْ تكون المنشأة النووية في ديمونا أحد الأمكنة التي تجري فيها عملية التطوير والتخزين المشار إليها، كما يلفتون إلى وجود منشأة أخرى لإنتاج السلاح الكيميائيّ داخل الصناعات الكيميائية الإسرائيليّة، في إشارةٍ إلى معهد الأبحاث البيولوجيّة في محيط مدينة "نس تسيونا".
وكتب خبراء "CIA" في الوثيقة: فيما ليس بمقدورنا أنْ نؤكّد إذا ما كان الإسرائيليون يمتلكون مواد كيميائيّة فتاكّة، فإنّ هناك عدّة أدلة تدفعنا إلى الاعتقاد بأنّهم أتاحوا لأنفسهم القدرة على التزود على الأقل بغاز أعصاب من النوع الفتاك وغير الفتاك وغاز خردل وأنواع أخرى من الغاز لتفريق التظاهرات، إضافة إلى تقنيات إطلاقه. ورجحت "فورين بوليسي" أنْ يكون الغاز الفتاك من نوع سارين، الذي تدعي الاستخبارات الأميركيّة أنّه استُخدم في سوريّا خلال الحرب الأهليّة الدائرة في هذا البلد العربيّ.
وتابع الخبراء قائلين إنّ إسرائيل وجدت نفسها محاطة حول حدودها بدولٍ عربيّةٍ، فبدأت تهتم بالسلاح الكيميائيّ، وطورت إدراكًا متزايدًا لإمكان تعرضها لهجومٍ كيميائيٍّ. وهذه الحساسية تعززت في أعقاب ضبط كميات كبيرة من التجهيزات السوفيتية ذات الصلة بالسلاح الكيميائي في حرب 1967 وحرب 1973. ونتيجة لذلك، فإنّ إسرائيل أطلقت برنامجًا للحرب الكيميائيّة في إطار الاستعداد لاستخدامه في الدفاع والهجوم على حدٍّ سواء، كما أكّدوا.
يشار إلى أنّ المؤرخ الإسرائيلي الشهير، أفنير كوهين، ذكر في كتابه "إسرائيل والقنبلة" أن رئيس الوزراء دافيد بن غوريون أمر سرًا بتطوير أسلحةٍ كيميائيّةٍ عام 1956. إلّا أنّ وثيقة الـ"CIA" تتحدّث عن شروع إسرائيل في تطوير هذا النوع من السلاح في أواخر ستينيات أو مطلع سبعينيات القرن الماضي. وكانت إسرائيل قامت بالتوقيع على الاتفاقية التي تحظر نشر واستخدام وتخزين الأسلحة الكيميائية في العام 1993، إلّا أنّها، مثل كلٍّ من سوريّا وكوريا الشمالية، لم تُصادق على توقيعها ما يعني أنّ الاتفاقية لا تُلزمها حتى اللحظة.
جديرٌ بالذكر أنّه في الكتاب الذي صدر مؤخرًا عن سيرة وزير الأمن الإسرائيليّ الأسبق موشيه دايّان، جاء أنّه في الأيّام الأولى من حرب 1973 أُصيب دايّان بكآبة شديدةٍ وهلعٍ كبيرٍ، وذلك لاعتقاده بأنّ العرب سيقومون بالقضاء على إسرائيل، واقترح على رئيسة الوزراء آنذاك، غولدا مائير، القيام باستعراضٍ للقوّة النووية، وذلك بعد اجتياز القوات المصريّة لخط بارليف، وتقدّم القوات السوريّة على جبهة الجولان.