الكتائب” يبحث عن بدائل... “الكتائب” يريد أن يعارض بأيّ طريقة. “الكتائب” يريد أن يقول الكثير ولكن الأدوات التي يمتلكها لا تُسعفه. “الكتائب” يريد ويريد ولكن ليس كل ما يشتهيه رئيسُه يدركه بعدما اختار طوعًا التموضع في معارضةٍ لم تتبلور هويتُها بعد وإن حاول الشيخ الشاب إرسال بعض الذبذبات عن شكلها أمس بزيارته دارة "الأحرار".
منذ اليوم الأول الذي التحف الكتائبيون عباءة المعارضة فهموا جيدًا من الرئيس الى أعضاء المكتب السياسي الى القاعدة أن المَهمّة لن تكون ميسّرة وأن “معارضة” ليست مجرد كلمة في الفم خصوصًا في وجه سلطةٍ “توافقية” آخذة في التبلور لا بل في التكرُّس والتجذّر في عهدٍ يعد بصيغة جديدة وبإعادة تكوين مفهوم الحكم ومحاربة الفساد والتنقيب عن الثروات.
ناظر في المدرسة!
لا يبدو الكتائبيون، المفتوحة جبهتُهم مع معراب، حتى الساعة “ناظرًا” ناجحًا في مدرسة الثنائية المسيحية القوية غير المتداركة، ولا حتى في ملعب الحكومة. كلا المكونين محصّنان شديد التحصُّن لدرجةٍ تصعّب على أي مكوّن أو مكوّنات مهما تضافرت قواها فرضيّة خرقهما أو إحداث فجوةٍ في تحالفهما، فكم بالحريّ إذا كانت تلك الثنائيّة “الموعودة” تضمّ حزبين مسيحيَّين غير قادرين على خوض معركة ثنائية متكافئة مع ما يشكّله العونيون والقواتيون مبنًى ومضمونًا. لم تتّضح الصورة نهائيًا على ما يبدو في الكواليس الكتائبية، فالأطراف المسيحيون الذين يشكّلون موضوعًا قابلًا لمشروع معارضة جديّة معروفون ولا يتجاوزون أطر “الشخص الواحد الممثل نفسه وأهله وبعض جيرانه” في البرلمان الصغير، بدءًا بالأحرار الذين أقصتهم الثنائية المسيحية بلديًا في دير القمر بسهولة، مرورًا بلقاء الجمهورية المتهاوي والباحث عبثًا عن تمثيل تشريعي بعد غياب الدور التنفيذي بسقوط حكومة تمام سلام، وصولًا الى قوى مسيحية متفرّقة أبرزها بطرس حرب الذي “تحجّم” في اتحاد بلديات البترون ويعلم أن مَهمته النيابية المقبلة صعبة في حال تحالف العونيون والقواتيون بترونيًا.
لم يكتشفا البارود!
كلُّ تلك المعطيات التي لا تصبُّ في خانة الكتائبيين الأقوى بين المعارضين تدفعهم الى نافذة يمكن الولوج منها الى الانتقاد من دون ضمان حُسنِه (الانتقاد)، ولعل النافذة الأكثر انفتاحًا اليوم إنما تتجلى في قانون الانتخاب الذي لم تتضح معالمه بعد والذي يسمح للكتائبيين والمعارضين الباقين خارج السلطة بالإضاءة على ثغراته والاستفادة من تململ من هم في السلطة أصلًا وعلى رأسهم النائب وليد جنبلاط وبعض المتوجّسين من القوانين البديلة التي قد تعمّق جراحهم البلدية. ولهذه الغاية كان اللقاء بين الشيخ سامي الجميل والنائب دوري شمعون حيث وضع كلاهما الإصبع على جرح شبح “الستين” اللائح في كلّ أفق. ليست العبرة في “الشيفرة” الباهتة التي فكّكها الرجلان خصوصًا أنهما لم يكتشفا البارود، بل في ما يحاول الجميل نفسه تشييعه حول اللقاء على ما علمت “البلد” وتظهيره على أنه “مجرّد لقاء دَوري”، بمعنى آخر هو لقاء عاديّ في الحسابات الكتائبية ولا يحتمل كثيرًا من التحليل إذ من المبكر الحديث عن تبلور معارضة ثنائية خصوصًا أنها قد تكون ثلاثية وأكثر، فمن قال إن ليس هناك أطراف آخرون قد ينضمون اليها؟
مصيبة “اليُتم"...
لم يكن حزبا الكتائب والأحرار يومًا بعيدين كلّ البعد، ولكنهما في المقابل لم يكونا بالحميمية التي يحاولان تظهيرها اليوم بعدما جمعتهما مصيبة “اليُتم” من والدَي السلطة. وإن كانت ذكريات 14 آذار والنبش في “قبورها” تلمّ شملهما أيضًا كلّ على طريقته، فإن كثيرين يعتبرون أن سامي الجميل يغامر مجددًا بـ”صفقةٍ” خاسرة له ولحجمه التمثيلي برلمانيًا وشعبيًا خصوصًا متى تمّ التسليم بقدرته التجييشية والتجييرية في مناطق عدة خلافًا للأحرار. ربما من الجائر تعليب اللقاء بين الرجلين الذي قد يكون عاديًا برسائل مبطّنة كما يحلو للجميل توصيفه بعيدًا من التسجيلات والمقابلات بذريعة أنه “قال ما لديه في المؤتمر الصحافي” وبالتالي لا حاجة الى مزيد من الكلام “المُحرِج”، وربما هو توقيتٌ مقصود في ظلّ غياب الرئيس عن البلاد والتئام الحكومة بمن حضر وسخونة الملف الانتخابي على مستوى القانون والأهم من ذلك عدم استشعار أحد بغياب الكتائبيين أو بوقع ذلك وهو ما لا يرتضيه الكتئابيون وإن فعلوا فلا يرتضيه الجميل بطبعه المتآخي مع الأضواء.
"فشّاريون"...
يهوّنها الكتائبيون كالمعتاد على أنفسهم قبل جمهورهم والراصد المتعجّب. الفهم في هذا المجال يتلاشى في أحايين كثيرة عندما يتّضح أن الرؤية تشوبها الغشاشة أصلًا في الصيفي نفسها. في الأمس، تلمح العيون سامي الجميل وعقيلته مدعوَيْن من آلان عون يتناولان العشاء مع ثلةٍ من العونيين والمستقبليين، واليوم تجده في دارة آل شمعون في “لقاءٍ دوري غير استثنائي”. يُسأل عن السبب ولا يبطل العجب إلا عندما يعود العارف ليُعلم غير العارف بأن مفهوم التمايز لم يعد مفهومًا ولم يعد تمايزًا بقدر ما غدا نوعًا من لملمة أكبر قدر من المكتسبات التي قد لا تجمع في ست سنوات مقدار ما سيجمعه أبناء السلطة في يوم واحد، إلا إذا استدرك الجميل، وأبواب القصر مفتوحة له، واستلحق بحكومةٍ مقبلة لا بل بأقرب حكومة مقبلة بعد أن يلمس بنفسه أن معارضته الموعودة تلك “فشّارية” ليس لأن حزبه “فشّاري” بل لأن الحلفاء الذين قد يعوّل على دور فاعل لهم في عضده “اعتراضًا” ليسوا كما يظنّ أو كما يحاول إقناع نفسه ومن حوله!