على مدى الأيام الثلاث الأخيرة، نجح رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، عبر الجولة الخليجية التي قام بها إلى السعودية وقطر، في إعادة عقارب الساعة إلى الزمن الإيجابي، على مستوى العلاقة بين لبنان وهاتين الدولتين، بعد أن كانت قد تضررت نتيجة الخلافات مع أفرقاء محليين، لا سيما "حزب الله"، حول الملفات الإقليمية الملتهبة، خصوصاً في اليمن وسوريا والعراق.
من هذا المنطلق، تعتبر هذه الجولة ناجحة، بعد أن حققت غالبيّة الآمال التي كانت معقودة عليها، في ظل الوعود السعودية والقطرية بالمساعدة بالملفات التي حملها الوفد اللبناني معه إلى الرياض والدوحة، من الهبة العسكرية المقدّمة إلى الجيش، إلى رفع الحظر عن زيارة الرعايا الخليجيين، وصولاً إلى قضية العسكريين المخطوفين لدى تنظيم "داعش" الإرهابي، بالإضافة إلى ملف المطرانين بولس يازجي ويوحنا ابراهيم والمصور الصحافي سمير كساب.
العبرة بالنتائج
من وجهة نظر الكاتب والمحلل السياسي سركيس أبو زيد، الزيارة كانت إيجابية بشكل عام وساهمت في إعادة العلاقات السعودية-اللبنانية إلى سابق عهدها، وهو يؤكد أن هذا الأمر سينعكس على باقي الدول الخليجية، لا سيما على مستوى تعزيز دور الجاليات اللبنانية التي كانت قد تضررت سابقاً من الخلافات التي وقعت، بالإضافة إلى إعادة الإستثمارات الخليجية إلى الأسواق المحلية.
ويرى أبو زيد أن هذا الأمر ما كان ليحصل لولا الطريقة التي تمت فيها الإنتخابات الرئاسية، أي من خلال توافق ضمني بين السعودية وإيران، ويلفت إلى أن الوفود الإيرانية تزور لبنان أيضاً وهي تلتقي رئيس الحكومة سعد الحريري من دون أن يكون هناك أي إعتراضات، لا بل حتى حزب "القوات اللبنانية" لم يعد يعارض تسليح طهران للجيش اللبناني.
من جانبه، يشير الكاتب والمحلل السياسي خليل فليحان، في حديث لـ"النشرة"، إلى أن العهد الجديد كان قد تلقّى منذ الأيام الأولى الدعوات لزيارة كل من مصر والسعودية وفرنسا وقطر، ويرى أن الإتصال المباشر يؤمن تواصلا أفضل وأي خلافات من الممكن تعالج بشكل أسهل عبر ذلك، لا سيما أن العلاقة لم تكن طبيعية عندما كان رئيس الجمهورية رئيساً لتيار سياسي فقط.
ويشدد فليحان على أن العلاقات اللبنانية-السعودية لم تكن مقطوعة، ويؤكد أن الزيارة إلى الرياض كان جيدة، لكنه يلفت إلى أن الوسط السياسي كان يتوقع الإفراج عن الهبة العسكرية التي صنّفت ضمن القضايا العالقة، ويعتبر أن إجتماع الوزراء اللبنانيين مع نظرائهم السعوديين أمر عادي، كما أن الإتفاقات المشتركة ليست بجديدة، ويستغرب عدم صدور بيان مشترك عن الزيارة، ويضيف: "اليوم من الممكن القول أنها كانت مفيدة ويمكن البناء عليها لكن يجب إنتظار النتائج".
التوافق الداخلي ساعد
من جهة ثانية، يرى أبو زيد أن الجو الإيجابي، الذي رافق جولة رئيس الجمهورية الخليجية، سيساعد في فتح الباب أمام زيارات إلى البلدان المنضوية في المحور المقابل، سوريا وإيران، ويعتبر أن هذا الأمر يساهم في تعزيز قدرة لبنان على مواجهات التحديات الناجمة عن الواقع الصعب في المنطقة، ويؤكد أن القوى السياسيّة تعاملت مع هذا الواقع بشكل جيد، ويضيف: "فجأة إكتشفنا أن جميع القوى تحب بعضها البعض".
ويشدّد أبو زيد على أن ما يحصل يسهّل الإنطلاق نحو معالجة القضايا التي تهمّ المواطنين، كما أنه يعزّز الحدّ الأدنى من الإستقرار السياسي والأمني، ولا يتوقّع عودة الأمور إلى الوراء، نظراً إلى أن كل المؤشرات توحي بأن المنطقة ذاهبة نحو تسويات ربما تكون على صورة ما حصل في لبنان.
بالنسبة إلى فليحان، المطلوب من الزيارة إلى الدوحة هو المساعدة في حل ملف العسكريين المخطوفين، ويلفت إلى أن السلطات القطريّة كانت حاضرة في هذا الملف في الفترة السابقة، ويشير إلى أن قطر لديها إستثمارات في لبنان من الضروري إعادة تفعيلها.
وفي حين يشدّد فليحان على أن الأجواء في الوقت الراهن إيجابيّة، يؤكد أن رئيس الحكومة سعد الحريري عمل وساعد كثيراً في إنجاح هذه الجولة من خلال العلاقات التي لديه.
في المحصّلة، جولة رئيس الجمهورية الخارجية الأولى إلى البلدان الخليجية كانت إيجابية إلا أن العبرة تبقى في النتائج العملية، فهل تكون زياراته إلى سوريا وإيران بالشكل نفسه، في حال قرّر الذهاب إلى هاتين الدولتين، من دون بروز إعتراضات من بعض القوى السياسية؟