للمرة الأولى منذ بداية الحرب في سوريا، ستلتقي وفود عسكرية تمثل الحكومة والمجموعات المسلحة الموقعة على اتفاق وقف اطلاق النار، لكن الأهمية القصوى في المباحثات، التي ستعقد في الآستانة، تكمن بأن الفصائل الفاعلة على أرض الواقع ستشارك في المؤتمر.
في هذا السياق، ستشارك الحكومة السوريّة من خلال وفد عسكري، بالإضافة إلى شخصية أو اثنتين سياسية-قانونية، وسينصبّ اهتمامها على كيفية تثبيت وقف اطلاق النار، وفصل المجموعات المشاركة في المؤتمر عن جبهة "النصرة"، بالإضافة إلى تزويدها بالخرائط، والبحث في مستقبل تلك المجموعات وإمكانية حلها ومشاركتها في القتال ضد التنظيمات الارهابيّة، وسيطرح الوفد سيناريو للحل يشبه المصالحات التي تمت في معظم مدن ريف دمشق مع بعض التعديلات، بسبب رفض هذه المجموعات لتلك التسويات ومعظم عناصرها من "المتشددين".
في المقابل، لا تزال العقدة في تشكيل وفد المعارضة، اذ تُطرح اسئلة في أروقة المنصّات المعارضة، حول آلية التشكيل والجهة المولجة بتسميته، رغم أن الوثائق كشفت أن الفصائل، الموقّعة على اتفاق وقف اطلاق النار، فوّضت العضو في هيئة الأركان العسكريّة منذر سراس والمتحدث باسم "الجيش السوري الحر" أسامة أبو زيد هذه المهمة وليس "الائتلاف" المعارض، نظراً إلى أن روسيا وتركيا أرادا الابتعاد عن المسار السابق لتشكيل الوفود وتوجها نحو الفصائل المسلحة.
على هذا الصعيد، يسعى الروسي الى سحب البساط من "الائتلاف" والاتفاق مع الفصائل مباشرة، وهو ما أثبت جدواه خلال معركة حلب، ولا يعني الاتفاق مع المسلحين الخروج عن مسار التسوية السياسية أو استبدال الآستانة بجنيف 4، فالمؤتمر تحضيري للمسار السياسي. وتؤكد مصادر عسكرية أن البحث مع الفصائل الفاعلة على الأرض أعطى نتائج إيجابية، من وقف اطلاق النار الى التسويات والمصالحات في المدن، وتشير الى أهمية تمثيل المتحاورين لشرائح فاعلة في حين لا يزال "الائتلاف" يدعو الى الانتقال السياسي وتسلّمه السلطة، مستنداً لقرارات جنيف واحد، في وقت باتت فيه التسوية السياسيّة تبحث على أساس القرار 2254، الداعي لإجراء انتخابات تحت إشراف الأمم المتحدة على أن يتم التحوّل السياسي بقيادة سورية.
كما يتطلع الجانب الروسي، من خلال مؤتمر الآستانة، الى فرض توحيد المعارضة في وفد واحد خلال مؤتمر جنيف، وتنظر موسكو الى المؤتمر على انها راعية الحل في سوريا والممسكة مع تركيا بخيوط الحرب في الشمال السوري، اذ تدرك المجموعات المسلحة في الشمال انها من دون المساعدة التركية ستنهار.
وتشير المعلومات الى انه اذا تم الاتفاق حيال الجانب العسكري، سيجري البحث في النظام السياسي لسوريا المستقبل، ومن بعده المشاركة في حكومة وحدة وطنية تجمع القوى المتحاورة، على أن تكون مهمتها إجراء انتخابات تحت رعاية الأمم المتحدة، حيث ستعمل موسكو وانقرة على اقناع المجموعات المسلحة بالمشاركة في حكومة تحت قيادة الرئيس السوري بشار الأسد.
وتستبعد المصادر السوريّة عبر "النشرة" أن يتمّ الاتفاق في الآستانة على كامل المسار السياسي، وترى أن الحل لم ينضج بعد وأن المجموعات المسلحة بحاجة الى مزيد من الوقت، بحال كانت جادة في التوصل الى حلّ، اذ لا تستبعد المصادر احتمال محاولة المجموعات كسب الوقت ريثما تتسلم الادارة الأميركية الجديدة ملفات المنطقة.
في دمشق، يستمهل السوريون في الحديث عن مؤتمر الآستانة، فالايجابية يرونها بالمشاركة في مؤتمر قد يساهم في فكفكة عقد الأزمة، في حين أن السلبيّة هي بأن تجربة المؤتمرات السابقة لم تمنحهم الأمل بالتقدم.