خلال الفترة الأخيرة، كثفت الولايات المتحدة الأميركية بشكل لافت ضرباتها الجوية التي تستهدف قيادات وعناصر جبهة "فتح الشام"، أي جبهة "النصرة" سابقاً، الأمر الذي يطرح علامات إستفهام، خصوصاً أن واشنطن كانت ترفض في السابق تنفيذ التفاهمات مع موسكو حول إستهداف الجبهة، بحجة عدم القدرة على الفصل بين مواقعها ومواقع باقي الفصائل المعارضة التي تصنفها "معتدلة"، في وقت نجحت فيه الحكومة الروسية بالوصول إلى تفاهم مع نظيرتها التركية على وقف إطلاق نار شامل يستثني الجبهة وتنظيم "داعش" الإرهابي.
في أروقة جبهة "النصرة" والمتعاطفين معها، حديث أن الهدف من هذا التحول هو الرد على مشاورات "الإندماج" بين مختلف فصائل المعارضة المسلحة، حيث أن واشنطن تريد أن تقول، لمن يرغب بالإنضمام لهذا المشروع، بأنه سيكون عرضة للإستهداف من قبل طائراتها التي لا تغادر الأجواء السورية، وبالتالي تحاول أن تضغط من خلال هذه الخطوة لإفشاله، في وقت تبرز مطالبات إلى أن يكون الرد عبر الإسراع في الخطوات التنفيذية، مع العلم أن أحد أبرز العاملين عليه، الداعية السعودي عبدالله المحيسني، أعلن صراحة الفشل عبر الدعوة إلى الذهاب للعمل الجبهوي في هذه المرحلة، أي تأسيس جبهة موحدة بدل الإندماج في كيان واحد.
بالتزامن، يكثر الحديث راهنًا أن الهدف الحقيقي هو في مكان آخر، حيث المطلوب من قبل الولايات المتحدة التخلص من القيادات المتشددة في "فتح الشام"، بعد أن وجدت واشنطن أن خطوة الإعلان عن فك الإرتباط مع تنظيم "القاعدة" لا تكفي، وبالتالي هي تريد التخلص من "المشبوهين"، للإستفادة من كيان الجبهة وفق أيديولوجية مختلفة في المرحلة اللاحقة، بالرغم من أن هذا الأمر غير سهل من الناحية العملية في ظل المخاوف من إلتحاق عناصر بعض الفصائل "المعتدلة" بها.
في هذا السياق، يعتبر بعض المتابعين أن واشطن قد تكون لمست ضرورة الإنتقال إلى حرب إستباقيّة ضد "فتح الشام"، بالرغم من اعلان الأخيرة في أكثر من مناسبة عن عدم رغبتها بتنفيذ عمليات خارج الأراضي السورية، نظراً إلى أنها تدرك جيداً أن لا شيء يمنعها من التحول في أهدافها في أي وقت، لا سيما إذا ما وجدت مصلحة لها في ذلك عند إشتداد المعارك ضدها، خصوصًا أن المؤسسات الأمنية الأميركية تدرك جيداً أن عناصر الجبهة ليسوا إلا فرعاً من فروع "القاعدة"، ونظرتهم إلى الولايات المتحدة لا تزال هي نفسها.
في المقابل، هناك رؤية أخرى تؤكد بأن الهدف الأميركي من وراء ما يحصل، هو إسقاط المحاولات الروسية الساعية إلى إنجاح المفاوضات، المزمع انعقادها في العاصمة الكازاخستانية آستانة في 23 كانون الثاني، بين ممثلين عن الحكومة والمعارضة السورية، لأنها تجري بعيداً عنها، بعد أن نجح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في جرّ نظيره التركي رجب طيب أردوغان إلى هذا الخيار، وترى أن نجاحها في ذلك، عبر دفع الفصائل المعارضة إلى التضامن مع "فتح الشام"، سوف يعيد الأمور إلى نقطة الصفر، بعد أن كانت موسكو قد أحرزت تقدماً بعد تحرير مدينة حلب، بانتظار تسلم الإدارة الجديدة برئاسة دونالد ترامب ملفات المنطقة.
في المحصلة، تكثّفت العمليات العسكرية الأميركية ضد "فتح الشام"، في الآونة الأخيرة، وسط تعدّد الروايات حول الأسباب الحقيقيّة وراء ذلك، إلا أن النتائج الفعلية لن تظهر في وقت قريب.