تسود في إسرائيل حالة من القلق والتأهب نتيجة إمكانية عودة سيطرة الجيش السوري مقابل الجولان المحتل، وهو ما رأت فيه تل أبيب تمهيداً لتموضع إيران وحزب الله في تلك المنطقة، الأمر الذي يفرض عليها إعادة تقويم سياساتها وخياراتها
تعزَّزت المخاوف الإسرائيلية في ضوء توالي تداعيات انتصار الجيش السوري وحلفائه، باستعادة مدينة حلب. وتجلى ذلك بالاتصالات التي تجريها الدولة السورية مع الجماعات المسلحة في الجولان بهدف التوصل إلى تفاهمات على إخلاء المناطق التي يسيطرون عليها «وفق نموذج الاستسلام في حلب»، كما كشفت صحيفة «يديعوت أحرونوت».
وأدى ذلك حتى الآن إلى إقناع هذه الجماعات في خمس بلدات بترك المنطقة وعودة سيطرة الجيش السوري عليها. واستناداً إلى بعض المصادر، لفتت «يديعوت»، إلى أنه تجرى حالياً مفاوضات مشابهة في قريتين درزيتين تجاوران السياج الحدودي مع إسرائيل: مزرعة بيت جن وبيت جن.
أمام هذه المستجدات، وعودة الجيش السوري إلى البلدات المتاخمة للجولان المحتل، بات على إسرائيل وفق الصحيفة نفسها «إعادة تقويم للجبهة السورية، وخاصة إذا ما اقترن ذلك بتموضع حلفاء الدولة السورية في تلك المنطقة، من أمثال قوة القدس الإيرانية وحزب الله».
وأكدت أن هذا الواقع يفرض على إسرائيل «تغيير سياستها في المجال الدبلوماسي، وتحديداً في المجال العسكري»، وخاصة أنه سبق أن «حددت خطاً أحمر، يرفض السماح بوجود قوات الحزب وإيران على الحدود».
مستوى المخاوف الإسرائيلية بلغ، أيضاً، إمكانية أن تؤدي «عودة الجيش السوري للمرابطة على الحدود، من دون تفاهمات بين القوى العظمى حول حجم القوات وطابعها وانتشارها في القطاع، إلى استئناف المواجهات بين إسرائيل وسوريا». أما عن الرهان الإسرائيلي على دور روسي في هذا المجال، فلفتت الصحيفة إلى أن «قوة تأثير إسرائيل في روسيا بشأن الترتيبات في الجولان ليست مرتفعة، وترتبط بالمصالح الروسية»، وأوضحت أن «روسيا لن تقف بالضرورة إلى جانب إسرائيل عندما يعود الجيش السوري إلى الجولان».
وفي ما يتعلق بالموقف الأميركي في موضوع الترتيبات في سوريا، هو «غير واضح»، كما أن موقف الرئيس الجديد دونالد ترامب ليس واضحاً. وحتى لو كان هناك موقف كهذا، لا يوجد لإسرائيل من تتحدث معه في البيت الأبيض أو البنتاغون. وتضيف «يديعوت» إن الجهات الإسرائيلية التي تحاول إجراء اتصالات مع البنتاغون في موضوع الاتفاق في سوريا تصطدم بجهات منخفضة من المستويين الثالث والرابع الذين سيبقون في منصبهم بعد تسلم ترامب، لكنهم لا يملكون تأثيراً في السياسة المستقبلية للولايات المتحدة، محذرة من أن هذا الفراغ يملأه «الجهد السوري ــ الإيراني، الذي من شأنه إشعال الفتيل المتفجر في الجولان».
في المقابل، لفتت «يديعوت» إلى أن الجيش السوري يخضع لقيود في الجولان، فهو لا يستطيع استخدام الطائرات بسبب المسافة القريبة من الحدود الإسرائيلية، لكن ما يقلق تل أبيب هو ما خلصت إليه الاستخبارات الإسرائيلية، وفيه أنه بعد استعادة مدينة حلب «ازدادت الثقة بالنفس لدى (الرئيس بشار) الأسد ورغبته في استغلال الفرصة لاستعادة السيطرة على الجولان». وتضيف الصحيفة: «الجولان يحتل أهمية متقدمة في أولويات الأسد، أولاً لبعده الرمزي المتصل بالصراع مع إسرائيل، والثاني لكونه يحسّن مكانته الاستراتيجية في العالم العربي».
في سياق آخر، ذكر معلق الشؤون الأمنية رونين برغمان، في مقالة في الصحيفة نفسها، أنه مع تولي ترامب منصبه، في الأيام المقبلة، تتخوف الاستخبارات الإسرائيلية من وصول معلومات وأساليب عمل ومصادر كشفتها أمام نظيرتها الأميركية خلال 15 عاماً مضت، إلى إيران. وتنبع هذه المخاوف من الأنباء التي تتحدث عن تقارب بين ترامب وروسيا، في وقت تسود فيه علاقات جيدة بين أجهزة الاستخبارات الروسية والإيرانية.
وأضاف بيرغمان إنه حدث تعبير عن هذه المخاوف خلال لقاءات مغلقة بين مسؤولين في الاستخبارات الأميركية والإسرائيلية. وكما ورد في «يديعوت»، ذكر مسؤولون إسرائيليون، شاركوا في هذه اللقاءات، أن نظراءهم الأميركيين عبروا عن يأسهم من انتخاب ترامب، الذي غالباً ما يهاجم أجهزة استخبارات بلاده. ومما يضفي على هذا القلق في تل أبيب مزيداً من الجدية، ما أكده المسؤولون في الاستخبارات الأميركية لنظرائهم الإسرائيليين أن بحوزة NSA (وكالة الأمن القومي) «معلومات استخبارية ذات صدقية عالية جداً» عن أن جهازَي الاستخبارات الروسيين FSB وGRU هما اللذان اخترقا حواسيب الحزب الديموقراطي خلال معركة انتخابات الرئاسة الأميركية، وسربا معلومات حساسة إلى «ويكيليكس»، وهو ما ألحق ضرراً بحملة هيلاري كلينتون. وأنهم يعتقدون بأن لدى الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، «رافعات ضغط» على ترامب. وعلى ما يبدو، هم يعنون بذلك معلومات محرجة جمعتها الاستخبارات الروسية لابتزاز ترامب.
اللافت في هذا المجال ما نقله بيرغمان، استناداً إلى مسؤولين في الاستخبارات الإسرائيلية، وهو أن الأميركيين نصحوهم بالحذر من نقل معلومات إلى البيت الأبيض ومجلس الأمن القومي الخاضع للرئيس بعد تنصيب ترامب في 20 كانون الثاني الجاري، وألا يكشفوا عن مصادر حساسة أمام المسؤولين في إدارة الأخير إلا حين يتضح أن لا علاقة غير لائقة تربطه مع روسيا، وأنه لا يخضع للابتزاز، لأن معلومات استخبارية كهذه يمكن أن تصل إلى إيران. كما أوضحت «يديعوت» أن التخوف في إسرائيل ليس من روسيا، وإنما من إيران.
في هذا السياق، لفتت الصحيفة إلى أن معظم العمليات السرية التي نفذتها إسرائيل بالتعاون مع الولايات المتحدة كانت موجهة ضد إيران، وبعضها كان ضد حزب الله و«حماس»، فيما كانت العلاقات بين الطرفين قد تعززت في العقد الماضي على خلفية العلاقات الوثيقة بين الرئيس جورج بوش الابن، ورئيسَي حكومة إسرائيل أريئيل شارون وإيهود أولمرت. كما كان التعاون الاستخباري بين إسرائيل والولايات المتحدة قد أخذ طابعاً رسمياً بعد توقيع أول اتفاق رسمي بين بوش وأولمرت، عام 2008، ينص على التعاون الشامل وكشف المصادر وطرق العمل، وهو ما وصفه مصدر سياسي رفيع بـ«رقصة التعرّي المتبادل والمطلق»، ومن ضمن أهدافه إرباك البرنامج النووي الإيراني.