تركزت الأنظار والاهتمامات بنوع خاص زمن الفراغ الرئاسي، على قرارات ومواقف كل من حاكم مصرف لبنان الدكتور رياض سلامة وقائد الجيش اللبناني العماد جان قهوجي، لتشكيلهما ما يقارب الادارة النقدية - الامنية للبلاد، نظرا لموقع الرجلين في هيكلية الدولة ونوعية مهامهما، وكان الرجلان يومها بمثابة الضمانة للاستقرار الأمني - النقدي في ظل حكومة غرقت في مستنقع النفايات والصفقات والفساد، وباتا يسألان من قبل القوى السياسية عما سيقدمان عليه من اجراءات كل في حقله بدلاً من ان يعملا لترجمة خيارات الدولة وسياساتها في المجالات التي يتوليانها، ولم يعمد أيا منهما للاستفادة من موقعه او حرق البلاد لتعزيز حظوظه الرئاسية بإشعال أزمات تنتهي بدخول احدهما قصر بعبدا.
ومع انتخاب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وتكليف الرئيس سعد الحريري لرئاسة الحكومة الاولى للعهد، بدأ التداول في التعيينات على اكثر من صعيد بحيث يعتبر عون ان لكل عهد رجالاته وفق مقولة رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية «انه يريد ان يعمل بعدة شغل خاصة به»، ولذلك يستعد رئيس الجمهورية لطرح بدائل لخلافة كل من سلامة وقهوجي، بحيث يختار مقربين اليه لهذين الموقعين.
الا ان المعطيات تدل بأن مسار تعيين بدائل ليس سهلا على خط حاكمية مصرف لبنان وليس سريعا على مسار قيادة الجيش اللبناني، لكون هذين الموقعين لهما داخليا بعد وطني، يتجاوز رغبة اي قوى سياسية بتعيين وزراء او مدراء عامين يدورون في فلكها او مسؤولين يعتبرون عدة الشغل في حكومة او وزارة لصالح اي مرجع، كما ان للامر صلة بنظرة الخارج الى لبنان وتأثر مصالحه «بنوعية» الأشخاص الذين يتولون القرارين النقدي والامني وقدرتهما ان يجتازا الأزمات اذا ما حصل اي طارئ داخلي في بلد على خط الزلازل
ففيما خص رغبة عون بتغيير سلامة هناك معوقات، على ما تسرد اوساط متابعة لهذا الامر، لكون هذا القرار يتخذ بالشراكة نظرا لحساسية المهمة النقدية -المالية، ولذلك فان المعطيات تدل حتى حينه بأن الحريري لا يرغب في اقالة سلامة، لكون الرجل يمتلك رصيدا لدى المجتمع الدولي يشكل حاجة لبنانية في هذه المرحلة التي لا تتحمل مخاطرة، عدا ان هذا المنصب لا يرتبط بسن تقاعدي او سنوات خدمةً محددة لشاغله، ولذلك يصر الحريري على بقاء سلامة وكان أعرب امام وفد نقدي دولي زاره منذ عدة ايام، ردا على سؤال احد أعضائه، بأنه متمسك باستمرارية سلامة طالما هو رئيس حكومة وباق في السراي.
ويتقاطع موقفا حزب الله وحركة أمل مع قرار الحريري بضرورة بقاء سلامة، اذ انه تمكن من استيعاب الحملة الأميركية المالية على حزب الله وهو يعلم مفاتيح ومفاصل المجتمع الدولي النقدي وكواليس الادارة الأميركية، بما يمكنه من معالجة اي اجراءات مستقبلية، لا يمكن التهاون بها لان ما طال حزب الله من إدارة الرئيس الأميركي باراك اوباما قد يكون اكثر حدة من قبل خلفه دونالد ترامب ونظرته الحادة وأسلوبه الصدامي، ولذلك فان بقاء سلامة يتجاوز التباين في وجهتي النظر بين عون والحريري حول الهندسة المالية التي أعدها الحاكم لمرة واحدة استثنائية ويعتبرها رئيس الجمهورية تحمل كلفة عالية في مقابل تأييدها من قبل رئيس الحكومة لكونها إنقاذية في هذا الظرف.
اما في ما خص تعيين خلفا لقهوجي عملا بقانون التقاعد في المؤسسة العسكرية، بعد ان أرجئ تسريحه حتى أيلول المقبل، فان الامر لن يكون في المدى القريب، تؤكد الاوساط، نظرا لتشابك التعيينات لقيادة الجيش اللبناني مع قيادة قوى الامن الداخلي ودخول حزب الله على خط تفضيله اسماء في هيكلية ومجلس هذه المؤسسة بما سيؤدي لإرجاء طرح هذه التعيينات في الامد القريب.
وفي ظل تعداد اسماء عدد من العمداء لخلافة قهوجي، على قاعدة قربهم من عون، فان المعايير التي تتحكم في الخطوة هذه تتطابق على ما يطال حاكم مصرف لبنان، لان الموقع ليس حصريا لفريق ما وعليه ان يطمئن في شتى الاتجاهات، اذ على الصعيد الداخلي ينتشر الجيش اللبناني على كافة الاراضي اللبنانية في بلد متعدد الانتماءات المذهبية والسياسية ويتطلب الامر قيادة لا تشكل استفزازا لأي فريق او تحدياً لأي مذهب.
وفي النظرة الخارجية تجاه الجيش اللبناني ودوره وتحديدا الغربية، فان ثمة رهاناً عليه واستثماراً في مهامه التي تتكامل مع التوجه الدولي في محاربة الاٍرهاب، وان قائده شارك في اجتماعات اركان الجيوش لهذه الغاية ولذلك تتابع الأوساط بأن الجيش البناني يقاتل الارهابيين على حدوده ويواجههم في الداخل وأحرز «ذراعه الامني» مؤخراً إنجازات في القبض على خلايا ارهابية، يعني ان الجيش اللبناني لا يستطيع ان يتراجع في دوره ويعود الى ما دون الإنجازات العسكرية - المخابراتية، لا سيما ان واشنطن لا تزال على دعمها له من خلال مده بالعتاد والسلاح.
وتتخوف الاوساط من ادخال تعيين قائد الجيش في تجاذبات المحسوبيات لما يحمل ذلك من ضرر على دور المؤسسة مشيرة الى ان عدة قوى سيكون لها رأي في الامر وفي مقدمها حزب الله، وتخوفت الاوساط من وضع قائد الجيش المقبل في عدد من المحاور، لما لذلك من انعكاسات مشيرة الى ان اللون السياسي لرئيس المؤسسة العسكرية، يعتبر عاملا سلبيا وله تداعياته كما حصل مؤخراً في السعودية بحيث لم يلتق وزير الدفاع محمد بن سلمان بنظيره اللبناني وقبلها قاطعت السفيرة الأميركية مورا كونيللي وزير الدفاع الاسبق فايز غصن بعد اسقاط حكومة الحريري من الرابية وترؤس الرئيس نجيب ميقاتي الحكومة التي ضمت غصن.
وإذ قالت الاوساط الى ان لكل ضابط مسيرته، ألمحت الى ان «بروفيل» قهوجي في قيادة الجيش كان ناجحا لناحية مهنيته العسكرية وطمأنته كافة القوى بما ارتد حماية للمؤسسة العسكرية، لكون غير ذلك معناه وضع الجيش اللبناني في عين العاصفة وهو الامر الممنوع دولياً نظراً للحاجة لتعزيز دوره للنجاح في المهام التي يعمل عليها بغطاء خارجي - داخلي.