منذ شهر ونصف تقريبا ضرب الجيش الاسرائيلي محيط مطار المزّة العسكري في سوريا بصواريخ "أرض-أرض"، وقيل يومها أن المستهدف في القصف كان مقر قيادة عمليات الفرقة الرابعة داخل المطار. وفجر الجمعة أعاد الجيش الاسرائيلي الكرّة، ولكن من الجو هذه المرّة حيث قامت طائراته بتوجيه الصواريخ نحو المطار دون الدخول في الأجواء السورية التي تسيطر عليها روسيا.
في كل ضربة اسرائيليّة لسوريا نبحث عن "حزب الله"، فقياداته وأسلحته هي المستهدفة دائما، والضربة الأخيرة لم تكن مختلفة، إذ تشير المصادر الى أن القصف الاسرائيلي استهدف شحنات أسلحة لحزب الله دون تحديد نوعها وكميتها ومدى نجاح الضربة. وتضيف المصادر في حديث لـ"النشرة": "تعتبر منطقة المزّة من اكثر المناطق السوريّة "أمنا"، ففيها تتواجد قيادات عسكرية رفيعة، سوريّة وحليفة، ويحدّها جنوبا منطقة "كفرسوسة" المعروفة برقيّها وبكثرة المراكز الامنيّة فيها دون ان ننسى ان اغتيال عماد مغنية حصل هناك، الا أن ذلك لا يعني أن المستهدف بالضربة الاسرائيلية كان "شخصية" عسكرية كما قيل".
منذ بداية الاحداث السورية أصرت اسرائيل وبموافقة دولية شاملة على اعتماد "ضوابط لعبة" واضحة، فالاسلحة الكاسرة للتوازن ممنوعة على "حزب الله"، وهي تعمل في سبيل تحقيق هذه الغاية. وفي هذا السياق تشير المصادر الى أن "استهداف شحنات الأسلحة ليست بالأمر الجديد، وأصبحت اللعبة واضحة بأن "حزب الله" يصر على حصوله على الاسلحة المتطورة واسرائيل تحاول منعه، والنتيجة هي نجاح الحزب بإدخال 60 الى 70 بالمئة من شحنات الأسلحة ونجاح اسرائيل بضرب 30 الى 40 بالمئة منها"، مشددة على ان اسرائيل تحاول استدراج الجيش السوري للرد.
وتضيف المصادر: "إن رد الجيش السوري و"حزب الله" على الضربات سيعطي الذريعة لاسرائيل لشن ضربات كبيرة على مواقع الجيش السوري وتسهيل مهمة الإرهابيين بتغيير الأمر الواقع في سوريا، خصوصا بعدما تم رصد علاقة وثيقة بين الهجوم الاسرائيلي على مطار المزة العسكري، والانتحاريين الاثنين بعد كشفهما من قبل الجيش في منطقة كفرسوسة قبل ساعات على الهجوم الاسرائيلي. وتقول المصادر: "إن الاولويّة لدى القيادة السورية هي القضاء على الارهاب لأن أي مواجهة مع اسرائيل ستعطي هديّة لخصومها، ولكن باللحظة التي تنجح فيها التسوية في سوريا فبدون أدنى شك ستكون هناك مواجهة سوريّة-اسرائيليّة، تسعى اسرائيل من خلالها لوضع قواعد اشتباك جديدة تتيح لها فرض الهدوء على جبهة الجولان بعد التغييرات الكبيرة التي طالت المنطقة منذ 5 سنوات حتى اليوم".
وتشدد المصادر على أن رئيس مجلس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو يسأل دائما في لقاءاته الدولية عن "مكان" اسرائيل مما يجري، وعن وضع الجولان بعد تثبيت حكم الرئيس السوري بشار الأسد، مشيرة الى أن نتانياهو يريد الهدوء في الجولان وهو ليس بوارد السماح لقيام "مقاومة" سورية هناك، تماما كما كانت رسالته في نيسان الماضي يوم وقف على الهضبة السورية بعد جلسة مجلس الوزراء وقال: "حان الوقت ليعترف المجتمع الدولي بالحقيقة، حان الوقت بعد 50 عاما ليعترف بأن الجولان سيبقى الى الأبد تحت السيادة الإسرائيلية".
منذ عامين دخلت الطائرات الروسيّة الاجواء السوريّة، واعلنت القيادة الروسية أكثر من مرة سيطرتها على الاجواء ونشرت اسلحة الدفاع الجوّي في رسالة شديدة اللهجة الى كل من يفكر بالطيران فوق الاراضي السورية، ولكن موافقة الدول الكبرى على هذا التحرك وخصوصًا الولايات المتحدة الاميركية جاء مشروطا: "لا تؤثّروا على مصالح اسرائيل". لا يمكن القول هنا أن الروسي تواطأ مع الاسرائيلي لتنفيذ القصف، بل يمكن استعمال تعبير "غضّ الطرف". وفي هذا الاطار ترى المصادر أن الاسرائيلي يقصف من خارج المجال الجوي السوري منعا لإحراج الروسي الذي لا يتدخل بالصراع العربي-الاسرائيلي.
إن التعبير الأصدق عن موقف القيادة الروسيّة جاء على لسان السفير الروسي في لبنان الكسندر زاسبكين عندما كان في قرية الزرارية في جنوب لبنان وسئل عن سبب امتناع الروس عن استعمال منظومات "الأس 300" و"الأس 400" لمنع التعدّيات الاسرائيلية على سوريا، فقال يومها: "نحن في سوريا لمحاربة الإرهاب فقط".
كثيرة هي الحروب التي تخوضها اسرائيل مع "حزب الله"، ومنها حرب "منع وصول الاسلحة"، ولكن الواقع في سوريا يتغير شيئا فشيئا، واسرائيل تعلم أن انتهاء الحرب السورية قد يعني بداية الحرب عليها.