ليس النائب وليد جنبلاط من خارج هذا الكوكب رغم أنه يشي بذلك في بعض تغريداته. فما يُطبَّق على سواه من “صحّة التمثيل” ينطلي عليه، وما لا يكون شريكًا في تفصيله لا يلبسه. ولكن ماذا لو أراد الرجل إلباس العهد برمّته ما أراد هو تفصيله على قياسه انتخابيًا؟
واضحٌ أن رئيس الجمهورية والرئيس سعد الحريري سيغرقان في دوّامة جديدة عنوانها “القانون الانتخابي” في ظلّ تضافر العقد التي ستؤول الى حلٍّ من ثلاثة: إما بقاء القديم على قدمه أي الستين، إما قانون “تأهيلي” يجمع الأكثري والنسبي يرضي الجميع ويبدّد هواجس المتوجّسين، وإما تمديد تقني ظرفي الى حين إرساء الصيغة الانتخابية المشتركة.
"أنتينات" في كلّ اتجاه
مخطئٌ من يظنّ أن العقدة جنبلاطية بامتياز. هي مسألة التعبير الذي يجيده الرجل فحسب سواء بلغةٍ صريحة أم أخرى “علوجية” فيها كثيرٌ من الإلماح الكفيل بدفع الرئيس نبيه بري الى التدخّل عبر وزيره علي حسن خليل لتطييب خاطر المختارة. في كلّ اتجاه تتحرك “أنتينات” وليد بكّ هذه الأيام، يبعث برسائل واضحة الى القصر الجمهوري ومنه الى السراي الحكومي، ينتشي باسترضاء معراب له، يهادن مع عين التينة، ويصمّ آذانه لبعض “التشويشات” الدرزية الصادرة من خصومه الرافضين فكرة تحجيم الطائفة وفي المقابل تفصيل ما يرتئيه جنبلاط لها. يقول “البكّ” المغرّد ما لديه، يعبّر صراحة عن رفضه للنسبية الكفيلة بزعزعة وضعه في الـ “Confort Zone” الخاصة به، يلطش من دون تدارك هذه المرة كما عهده عارفوه في الشأنين الرئاسي والحكومي. لا مجال للمهادنة أو التلطّي في هذه المرحلة بعدما بلغت الأمور حدّ انتصار خيار سقوط الستين الأكثر ملاءمة له ولطائفته.
"عالمكشوف..."
أغرب ما في حكاية قانون الانتخاب أن الجميع يلعبون لعبته “عالمكشوف” وقد يدفع بعضهم ثمن مواقفهم المعلنة الحادة عندما تُفرَض عليهم خياراتٌ إنقاذية بديلة. فبالنسبة الى رئيس الجمهورية لا مجال لعودة الستين ولا لاقتراف جريمة التمديد مجددًا وهو موقفٌ تصالح معه مذ كان رئيسًا للتيار الوطني الحرّ الذي لا يستسيغ المختلط بصيغته المطروحة وفي المقابل يرفض كلّ الرفض أيّ شكل من أشكال التمديد، فضلًا عن القانون القديم. لا يبدو حزب الله شريكًا في ما يحصل، ربما هي ثقة الفوز لا بل الاكتساح وفق أي قانون، وهو ما يبديه الرئيس بري على السواء الذي يخوض دور “المُصلِح” الوسيط بعدما حملت شفتاه موقفًا صريحًا من قانون “الستين” مفاده أنه صار خلفنا وأنه قد يُحدِث ثورة في الشارع، لذا يطلق عجلة قانونه القائم على مرحلتين لا يهضم المسيحيون خطوة “التأهيل” فيهما. في معراب يبدو الموقف للوهلة الأولى منفصلًا عن الشريك المسيحي قبل أن تتضح الصورة. فبيعُ الدكتور سمير جعجع موقفًا لجنبلاط بعدم السير في أي قانون لا يرضيه لا يعني التنصُّل من استشارة الرابية على ما علمت “البلد” خصوصًا أن الحليفين المسيحيَّين يعملان معًا بالتنسيق التامّ في هذا الموضوع، ولا يمكن إلا أن يكونا متفقين تماهيًا مع بنود تفاهمهما كما ومع الخريطة المسيحية الجديدة التي ينويان إرساءها بتحالفهما النيابي في دوائر حُرما منها طويلًا أو بالأحرى لم يتمكنا من ترشيح من أراداه. يبقى “المستقبل” الأكثر صمتًا وتحفُّظًا في هذا المجال، لا سيما أن أي قانون غير الستين أو المختلط المدروس قد يكلّف الرئيس سعد الحريري مزيدًا من العطَب الشعبي وهو ما لا يريده له رجالاتُ العهد الجديد في وجه خصومه الناشئين، وعليه لا بدّ من التفكير في صيغةٍ تناسب “المستقبل” أيضًا.
انتصار "المختلطة"!!!
تنتصر الأوراق “المختلطة” حتى الساعة ولا ينتصر معها “المختلط” وإن بدا في التسمية الأكثر محظوظيةً على شاكلة قديم مطعّمٍ بجديد. سياسيًا، الخيارات مفتوحة على كل الاحتمالات أما تقنيًا فوزارة الداخلية غير جاهزة سوى للقانون القديم، وعدا ذلك قد يفرض عليها تأجيلًا ظرفيًا لدواعٍ لوجستيّة، وهو ما سيثير حفيظة المجتمع المدني والمواطنين الموعودين بممارسة حقهم الديمقراطي أولًا، والمعلقين آمالًا جمة على تغييرات العهد الجديد. يعلم سيّد القصر جيدًا أن أي تمديد في هذا المجال لا يصبّ في خانة الآمال المعقودة عليه شعبيًا، تمامًا كما يعلم أن العودة الى قانون الستين قد لا تكلفه بقدر التمديد ولكنها ستضعه في موقع المتراجع عن رفضه له في الأساس يوم كان نائبًا ورئيسًا لتكتّل، كما ستناقض مساعيه الدؤوبة الى إحداث تغييرات يستشعر بها الناس بدءًا بالمجلس الذي يمثّلهم.
ترابطاتٌ جلية
حتى الساعة تبدو الترابطات جلية. فالمستقبل لن يخيّب آمال جنبلاط، ومثله القواتي نظريًا رغم أن ارتباطه الأساس مع حليفه المسيحي التيار، وبري لن يأخذ على نفسه السير في قانونٍ غصبًا عن إرادة الحريري وجنبلاط، لهذا الغرض يسعى الى تسويق مشروعه الدامج بين التقليد قضاءً والنسبية محافظةً، مع تقديمه على أنه مختلط “مودرن” كي لا يتوقف كثيرون عند التسمية التي ما زالت تثير حساسية مفرطة للرابية. وفيما يبدو الموضوع مؤجّلًا واللجنة النيابية في عطلةٍ قسرية، ليس الوقت في صالح الرئاستين الأولى والثالثة. أما المسلّمات فغير موجودة حتى الساعة، لا بل تكاد تكون محصورةً في اتفاق الجميع على انعدام فرص “النسبية الكاملة” حفاظًا على مشاعر الجميع وحرصًا على التوازنات “المقدّسة” التي لا يريد الرئيس زعزعتها منذ مطلع عهده. الى ذلك، تبقى هواجس “التمثيل الصحيح” بطلة الشفاه والشمّاعة الأكثر فعاليةً ونضجًا وإقناعًا لأيّ خيارٍ منتصرٍ حتى لو كان “الستين مبرّجًا”، على أن تكون لجنبلاط على ما تشي كلّ المؤشرات حتى الساعة يدٌ طولى في رسمه... بيد أنه يحتاج الى قليل من الوقت لإنهاء تفصيل ما يجده مناسبًا ولبّيسًا لجسم مكوّنه الدرزي، حينها فقط يفرج عن صيغته ويهزّ رأسه نزوًلا معلنًا موافقته ويفصح عن هوية من نعته بممثل العلوج في الوزارة!