مؤتمر أستانة الذي يجمع أطراف الأزمة السورية يسير بخطى ثابتة نحو الانعقاد، فالراعيان الروسي والتركي ضمنا إلى حدّ بعيد مشاركة الأطراف الأساسية التي يعول عليها المشاركة في هذا المؤتمر الذي ينعقد للمرة الأولى في كازاخستان وخارج الرعاية الدولية، فيما واشنطن التي رحبت بالمؤتمر، لم يتضح بعد إن كانت ستشارك في الجلسات أم تغيب عنها.
جدير بالذكر أنّ الدعوات إلى المؤتمر تتركز بالدرجة الأولى على الفصائل المسلحة للمعارضة السورية وتحديداً تلك التي وقعت اتفاقية الهدنة بعد خروج مقاتليها من حلب الشهر المنصرم، فيما لم توجه الدعوات إلى الهيئة العليا للمفاوضات في المعارضة السورية، ولا إلى التشكيلات السياسية للمعارضة التي شاركت في محادثات جنيف مع النظام السوري، بينما الفصائل المسلحة المعارضة التي اجتمع ممثلوها في اسطنبول بمعظمها متمسكة بمشاركتها تحت شعار تثبيت الهدنة تمهيداً للإنتقال إلى مرحلة الحل السياسي.
في المقابل تبدو إيران التي أعلنت رسمياً ترحيبها في عقد المؤتمر، وشاركت في جانب من الإجتماعات مع روسيا وتركيا، غير مطمئنة للتقارب التركي – الروسي، لاسيما أنّ هذا التقارب أنهى خيار الحل العسكري لمصلحة النظام لدى حليفها الروسي، بعدما وجد الكرملين نفسه أمام فرصة للخروج من الرمال السورية من دون أن يؤدي ذلك به إلى خسائر سياسية، بل أتاح له الاقتراب من تركيا أن يلعب دور الراعي لأي تسوية سياسية محتملة للأزمة السورية.
"أستانة" الذي سيشارك فيه ممثلون للجيش السوري كطرف محاور للفصائل، تطمح من خلاله روسيا إلى تثبيت مرجعية جديدة للتسوية السورية، لذا ليس من أهداف يمكن أن يحققها المؤتمر أكثر من انعقاده، وبالتالي فإنّ الأهداف المعلنة تركز على البحث في آليات تثبيت الهدنة وترسيخها، وهو مطلب رغم المصاعب التي تحيط به، يبقى هدفاً قابلاً للتحقق ويمهد لخطوات أخرى تتصل بعد ذلك بالحل السياسي وبالمرحلة الإنتقالية التي جرى تثبيتها في اتفاق في محادثات جنيف.
لا شكّ أنّ النظام السوري ومن خلفه إيران، يدركان أنّ الحلول لم تنضج بعد، وعلى رغم موافقتهما على مؤتمر الأستانة، فإنّ عملية تأمين كامل ما يسمى "سورية المفيدة" جار لا سيما في المناطق التي لا زالت تسيطر عليها المعارضة في ريف دمشق، حيث استمر خرق الهدنة سواء في الغوطة أو في محيط نبع الفيجة غرب دمشق (شهد امس سقوط اكثر من 20 ضحية من المدنيين) يتم بقرار ايراني، مع محاولة ترحيل أكبر قدر من السكان إلى خارج "سورية المفيدة" وقد عمد حزب الله في المرحلة الأخيرة إلى سحب الالاف من جنوده من شمال سورية لتدعيم نفوذه في دمشق وريفها وعلى امتداد المناطق المحاذية للبنان. إذ فرض التقارب الروسي – التركي حالة من القلق لدى إيران التي تدرك أنّ التطابق مع نظام مصالح الرئيس السوري، هو الفرصة المتاحة لمواجهة أيّ مخاطر استراتيجية يمكن أن تقع في سورية ولا تكون لصالح إيران أو الأسد.
يبقى أنّ إيران التي تدرك أنّ مصدر قوتها في سورية يرتكز بدرجة كبيرة إلى دورها في حماية الإستقرار على امتداد الحدود الشمالية لإسرائيل، فهي تحاول في المقابل أن تلوح بهذه الورقة، من خلال القول أنّ أيّ مغامرة لا تتناسب مع مصالح إيران في سورية يمكن أن تطلق عملية من الفوضى على حدود الجولان، وما استهداف اسرائيل لصواريخ استراتيجية في مطار المزة قبل أيام، إلاّ إشارة إلى أنّ ثمّة تحركات باتت تثير قلق اسرائيل. علماً أنّه في الأيام العشرة الأخيرة شهدت دمشق زيارات معلنة وغير معلنة لمسؤولين إيرانيين كبار لسان حالهم كيف نواجه مخاطر التقارب التركي – الروسي.
مؤتمر الأستانة يأتي في لحظة اختبار العلاقات الإقليمية والدولية على الساحة السورية، اختبار الموقف الروسي من جهة، والسياسة التركية الجديدة من جهة أخرى، فيما الكل عينه على الإدارة الجديدة في واشنطن، الرئيس المنتخب دونالد ترامب الذي يستعد لتولي الرئاسة رسمياً بعد أربعة أيام، يثير زوبعة من التكهنات حيال موقفه من الأزمة السورية. ترامب لن ينقلب على الإدارة الروسية للأزمة، لكن موقفه الذي يبقى غامضاً حيال الدورين التركي والإيراني فيها، سيشكل معيار الأمن الاسرائيلي عنوان بصماته السياسية الجديدة، فكلما بدت الحدود الإسرائيلية على هدوئها واستقرارها فذلك يعني أنّ مرحلة الإستنزاف مستمرة ولكن مع فرصة تعزيز الموقع الإيراني والأسدي في سورية المفيدة.