يكفي ان ينبري الآن مكون اساسي من المكونات اللبنابية الى الاعلان انه لن يشارك في الانتخابات النيابية المقبلة على اساس قانون الستين النافذ (المرفوض لدى البعض شكلاً والمقبول ضمناً) فيكون «البطل» الذي يفرض اقرار قانون جديد يحقق عدالة التمثيل النيابي وشموليته التي ينادي بها «إتفاق الطائف». فهل من «بطل»؟
يقول بعض السياسيين ان بروز «بطل» يتخذ مثل هذا الموقف الذي يقيم «حاجزا ميثاقياً» في وجه انتخابات يراد إجراؤها على اساس قانون الستين،يضع البلاد والجميع امام ثلاثة خيارات لا رابع بعدها:
اولاً، اقرار قانون جديد للانتخاب ليس فيه شيء من قانون الستين وهو خيار متاح اذا صدقت النيات.
ثانياً، الدخول في تمديد جديد لمجلس النواب الممددة ولايته التي تنتهي في 20 حزيران المقبل، وهو خيار يراه البعض مستحيلاً.
ثالثاً،الدخول في فراغ نيابي يضع البلاد امام مصير مجهول، أو الدخول في مؤتمر تأسيسي يمهد لنظام جديد، وهو خيار ليس سهلاً.
الجميع يقولون في العلن «لا» لقانون الستين، وينادون بقانون جديد، لكن غالبيتهم تعمل للابقاء على هذا «الستين» و»فرضه امراً واقعاً» وهو ما يحذّر منه رئيس مجلس النواب نبيه بري منذ العام 2013 وحتى اليوم.
ووحده رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط يجاهر ولا يوارب منادياً بالابقاء على قانون الستين او إقرار اي قانون آخر مثله يعتمد النظام الاكثري، معددا مبرراته المشفوعة بهواجسه ومخاوفه من ذوبان «الصغار» في بحور «الكبار».
وفي هذا السياق يؤكد ديبلوماسيون وسياسيون ان لا تعويل على امكان اقرار قانون انتخابي جديد الا على موقف بري، وكذلك على موقف الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، لأنه مثلما ادار الموقف من الاستحقاق الرئاسي عبر التمسك بترشيح العماد ميشال عون، ما اوصله الى رئاسة الجمهورية، يمكن ان يدير، بالتعاون مع بري وآخرين يشاركونه الرأي، الموقفَ من الاستحقاق النيابي بما يؤدي الى قانون انتخاب جديد، ينتج سلطة تشريعية جديدة.
وفي اطلالته التلفزيونية ما قبل الاخيرة شدد السيد نصرالله على ان قانون الانتخاب على اساس النظام النسبي على اساس لبنان دائرة انتخابية واحدة او دوائر كبرى، (وهو الموقف نفسه الذي يتخذه بري كرئيس للمجلس ولكتلة التنمية والتحرير، ورئيس لحركة «أمل») هو «الممر الالزامي» للعبور الى الدولة، لأنه يحقق عدالة التمثيل وشموليته، وذلك مثلما كان خلال فترة الشغور الرئاسي قد اعتبر ان عون هو «الممر الالزامي» الى انتخابات رئاسة الجمهورية.
وفي اطلالته الاخيرة طوّر نصرالله موقفه هذا بأن تمسك بالقانون الذي يعتمد «النسبية الكاملة»، بدعوته الى «حوار شامل» بين كل القوى السياسية مع الجمع بين «الصيغة والقانون الانتخابي الامثل والاحسن والافضل، وفي الوقت نفسه الاخذ بالهواجس ونقاط القلق للوصول الى قانون، لكن بالتأكيد ليس على قاعدة قانون الستين».
ويقول هؤلاء الديبلوماسيون والسياسيون ان كلام نصرالله واضح لجهة رفضِه قانون الستين او بناء ايّ قانون جديد على اساسه، وانما يريد إقرار قانون جديد بكل ما للكلمة من معنى يأخذ في الاعتبار «الهواجس ونقاط القلق» عند بعض القيادات والقوى السياسية، والمقصود بها جنبلاط وآخرون.
لكن من الاتصالات والمواقف المعلنة وتلك التي تقال في الحلقات الضيقة والكواليس فإنّ قانون الستين متقدّم على ما عداه من اقتراحات، اذ يظهر ان الغالبية لا يضيرها اجراء الانتخابات على اساسه، خصوصا ان ترتيبات وزارة الداخلية في هذا المجال شبه جاهزة، بدليل ما قاله وزير الداخلية نهاد المشنوق اخيراً من انّ الوزارة جاهزة لاجراء الانتخابات في مواعيدها على اساس القانون النافذ (اي قانون الستين) اما اذا أُقرَّ قانون جديد فإنه سيفرض تمديدا تقنيا لولاية مجلس النواب الحالي، تفرضه طبيعة هذا القانون خصوصاً اذا اعتمد فيه النظام النسبي كلياً او جزئياً.
واستتباعاً لمواقف السيد نصرالله، لا يخلو يوم الّا ويصدر عن هذا المسؤول او ذاك في الحزب، نيابياً كان او حزبيا الّا وينادي بقانون انتخاب على اساس النظام النسبي، بدليل ما قاله نائب الامين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم بما يشبه التنبه والتحذير، اذ قال: «ليكن معلوماً في لبنان اذا لم تنتج سلطة نيابية جديدة بقانون عادل قائم على النسبية فإن مسيرة الاصلاح تتعثّر وستكون معقدة، لانه لا يمكن الاعتماد على الصيغة الموجودة حاليا من جهة الانتخابات ولا يمكن الاعتماد على تكرار الطاقم الحاكم نفسه، ويجب اعطاء فرصة للشباب وللآخرين».
البعض يقول انّ «الثنائي الشيعي» في حال اصرّ على وجوب اقرار قانون انتخاب يعتمد النظام النسبي على اساس لبنان دائرة واحدة او مجموعة دوائر، ربّما سيحول دون حصول الانتخابات على اساس قانون الستين، لأن ذلك سيخلق عقدة ميثاقية تماماً كالعقدة التي نشأت من رفض الرئيس سعد الحريري بما يمثّل داخل الطائفة السنية، ومعه بعض الحلفاء، المشاركة في الانتخابات خلال العامين 2013 و 2014، بذريعة رفض انتخاب مجلس نيابي جديد قبل انتخاب رئيس للجمهورية، ما فرضَ التمديد القسري لمجلس النواب الحالي.
لكن ليس هناك من مؤشرات ثابتة حتى الآن الى اقدام «الثنائي الشيعي»، او اي مكون آخر على مقاطعة الانتخابات المقبلة، إذ لا يزال البعض يعتقد ان الوقت لم يفت بعد لإقرار قانون جديد، خصوصاً انّ مثلَ هذا القانون يمكن التوصل اليه سريعاً إذا صدقت النيات لأنّ التذرع بأنّ الامر يحتاج الى وقت هو تذرّع واهٍ يعرفه الجميع.
ويعتقد الديبلوماسيون والسياسيون اياهم انّ اجراء الانتخابات المقبلة على اساس قانون الستين إذا حصل سيكون إعادةَ انتاج للأزمة بكل عناصرها ومكوّناتها، لكن السؤال هو : ما هو موقف رئيس الجمهورية الذي تعهّد في خطاب القسم بإقرا قانون انتخاب جديد تجرى الانتخابات المقبلة على اساسه؟ وهل يقبل باستمرار قانون الستين؟
ربّما يأتي الجواب على هذا السؤال في خطابه امام اعضاء السلك الدبلوماسي العرب والاجانب الذين سيلتقيهم غدا وسيسألونه بالتأكيد عن مصير الاستحقاق النيابي الداهم.