بات من المؤكد أن فرصة إنتاج قانون جديد للانتخابات على قاعدة النسبية في طريقها إلى التلاشي، وأن قانون الستين يتقدّم في اتجاه فرض نفسه على انه لا يزال الرقم الصعب في المعادلة السياسية اللبنانية في ظل انكفاء الجميع عن مقاربة حقيقية لاتفاق الطائف الذي ينص على إنشاء مجلس للشيوخ وإقرار قانون للانتخابات على أساس وطني لا طائفي، وبذلك نكون بالنسبة للانتخابات النيابية المفترضة في أيّار المقبل أمام احتمالين لا ثالث لهما، إجراء الانتخابات في موعدها على قاعدة القانون الحالي، أو تأجيلها لبعض الوقت في حال تم الاتفاق على اجراء عملية تجميلية لهذا القانون لتجنب غضب المجتمع المدني من جهة ولحفظ ماء وجه بعض القوى السياسية من جهة ثانية.

إن كل المعطيات التي ظهرت ولا تزال في الأفق السياسي تؤكد استحالة إحداث خرق في جدار الخلافات القائمة حول صيغ المشاريع الانتخابية في المهل القانونية التي يفترض أن يُقرّ فيها قانون جديد للانتخابات لكي لا يصبح القانون الحالي قانون الأمر الواقع وحمل القوى السياسية على التعامل مع هذا الموضوع على قاعدة «قانون في اليد ولا عشرة على الشجرة»، خصوصاً وأن الضغوط الدولية باتجاه حصول الانتخابات في موعدها لا تشترط اي نوع من القوانين بل إن جلّ ما تريده هو أن يحترم لبنان مواعيده الدستورية التي من شأنها ان تحافظ على استقراره الداخلي الذي بات مطلباً ملحاً لدى الخارج في ظل التطورات الدراماتيكية التي تحصل في المنطقة، ليس كرمى عيون لبنان واللبنانيين، بقدر ما هو لحفظ مصالحهم والابقاء على هذا البلد الذي يلعب رغماً عنه دور «القجة» التي يُستودع فيها النازحون واللاجئون إلى أن تدق ساعة التسوية الكبرى وتأخذ الدول المعنية حصتها من الخارطة الجديدة التي ستفرض في المنطقة نتيجة لهذه التسوية.

صحيح أن رئيس «اللقاء الديمقراطي» النائب وليد جنبلاط كانت لديه الجرأة في رفض القانون المختلط والتملص من اتفاقه مع «القوات» و«تيار المستقبل»، وهو سيبلغ ذلك إلى كل الكتل النيابية عبر ايفاده وفداً يشرح لهم الأسباب الموجبة التي جعلته يأخذ هذا القرار ويستعد لخوض معركة يعتبرها ضرورية لكي يحافظ على وجوده في المعادلة اللبنانية على النحو الذي هي عليه اليوم، فإن كثُراً من الذين ينادون بقانون جديد للانتخابات يتمنون لو كانت لديهم الجرأة ذاتها التي يملكها جنبلاط حتى يديروا ظهرهم لأي قانون جديد ويتمسكون بأسنانهم وأظافرهم بقانون الستين الذي يحفظ لهم مصالحهم الخاصة. وقد وصف الرئيس نبيه برّي هؤلاء بأنهم يتعاملون مع قانون الستين على قاعدة سيوفهم عليه لكن قلوبهم معه.

كل ذلك يقودنا إلى التأكيد بأنه ما دامت الطائفية السياسية هي المتربعة على عرش السياسة في لبنان، فإنه من السذاجة القول بإمكانية إنتاج قانون للانتخابات يكون عابراً للطائفية والمذهبية التي باتت مكرّسة في النفوس أكثر مما هي عليه في النصوص.. فالآن شريحة واسعة من السياسيين ترفض الستين في مقابل اقليات متفرقة تريد الستين لأسباب تتعلق بتحكمها، واستمرارها الذي يفقد وهجه مع أي قانون آخر.

وفي هذا المجال ترى مصادر سياسية متابعة أن رئيس مجلس النواب نبيه برّي الذي لم تصله أية مؤشرات إيجابية بخصوص إمكانية الوصول إلى قانون جديد للانتخابات يرفع الآن لواء انتقال لبنان من ضفة الأزمات المتوارثة والمتناسلة من بعضها البعض إلى ضفة الأمان والاستقرار اللذين لا يؤمنهما الا قانون يستطيع دفن قانون الستين ويؤمن عدالة التمثيل وسلامته.

وتعتبر هذه المصادر أن هناك علامة إيجابية برزت في الساعات الماضية يمكن أن تشكّل قوة دفع في اتجاه قانون جديد تمثلت بموقف الرئيس ميشال عون والتيار الوطني الحر الذي أكّد عدم السير بقانون الستين، ولو اضطره ذلك إلى الثورة الشعبية، وهذا الامر بالوقت نفسه يُشير إلى اننا سنكون امام مرحلة إما تسهيل إنتاج قانون جديد، أو التأسيس الى مشكل بين مؤيد ومعارض، وقد بدأ ذلك يظهر بوضوح من خلال مواقف الرئيس بري وحزب الله والتيار الوطني الحر من جهة، ومطالب آخرين بالإبقاء على الستين، ويأتي في مقدمة هؤلاء النائب وليد جنبلاط.

وإذ تكشف المصادر عن لقاء قريب بين رئيس المجلس ووزير الداخلية نهاد المشنوق المعني الأساسي بالانتخابات، فإنها تؤكد بأن الداخلية ملزمة إلى الآن بقانون الستين، لكن المجلس والحكومة لديهما الصلاحية بإلغاء المهل ووضع مهل جديدة في حال تمّ إلغاء قانون الستين.

وفي تقدير هذه المصادر أنه بالرغم مما قيل ويقال في ما خص قانون الانتخاب فإننا ما زلنا في مرحلة التنجيم السياسي، حيث نلاحظ حالة من الاسترخاء والاستلشاق على الساحة وكأنه بات من المسلَّم بإجراء الانتخاب على أساس القانون الحالي، وفي المقابل لا يرصد أي حراك فعلي من شأنه أن يؤدي الى إنتاج قانون على أساس النسبية، حتى بات يصح القول بأننا امام نوع من تقاذف الكرات الانتخابية، فهل يستمر هذا التقاذف، وهل تقع الطابة، وهل سترجح الضربات فوز فريق على آخر؟ كل ذلك يبقى رهن الأيام المقبلة التي ستشهد بالتأكيد حراكاً مفروضاً على الجميع، إما باتجاه قانون جديد، أو بعدم إجراء الانتخابات، أو باتجاه تمديد تقني تفرضه عملية تجميلية لقانون الستين، فكل الاقتراحات لا تزال مفتوحة، غير أن الحلول لا تزال مغلقة.