ليس الانقسام داخل حركة "أحرار الشام" والذي ترسخ أخيرا مع رفض جزء من الحركة المشاركة في محادثات آستانة المرتقبة في 23 من الشهر الجاري، واصدار قائدها العام قرارا اداريا يمنع المقيمين من أعضائها في تركيا من التوقيع على اي اتفاق او اتخاذ اي قرار من دون الرجوع الى القيادة، ولا غياب الموقف الواضح والعلني للأذرع السياسية للمعارضة السوريّة، وأبرزها الائتلاف المعارض والهيئة العليا للتفاوض، الا غيض من فيض الاستياء المسيطر في صفوف المعارضين حتى أولئك الذين وجدوا أنفسهم مرغمين على التوجه الى كازاخستان الأسبوع المقبل، خصوصا بعد اطلاق أنقرة تهديدات واضحة باقفال الحدود بوجههم، ووقف اي دعم لهم مهما كان حجمه وشكله.
وشكّلت الاجتماعات التي عُقدت في تركيا الأسبوع الماضي وضمت قادة عدد كبير من الفصائل السورية ومسؤولين روس وأتراك "بروفا" صغيرة لما ينتظر المعارضة في آستانة، باعتبار ان الثنائي الروسي-التركي بدا متشددا جدا بشأن وجوب التوجه الى المحادثات مع النظام من دون قيد أو شرط، حتى أنّه اعتبر مطالبة أحد قياديي المعارضة العسكرية بالضغط على النظام للالتزام بقرار وقف اطلاق النار أقله قبل ايام من موعد المفاوضات، شرطا مسبقا مع العلم ان أنقرة وموسكو هما من رعتا أخيرا اتفاق الهدنة وفرضتا تطبيقه رغم امتعاض طرفي الصراع السوري.
وان كانت أنقرة نقلت للمعارضة السوريّة تعهدات روسية بأن يتم التوصل في آستانة لحلّ يرضي جميع الأطراف، ويقتصر على الشق العسكري من الأزمة وعلى عملية تثبيت وقف اطلاق النار، من دون التطرق الى اي حلول سياسية على غرار تشكيل حكومة انتقالية أو غيرها، الا ان الفصائل السورية لا تبدو متحمسة على الاطلاق للجلوس مجددا حول طاولة واحدة مع النظام، فكيف اذا كانت موسكو التي تحارب الى جانب هذا النظام هي التي ترعى المحادثات هذه المرّة. وهنا يتساءل أحد قياديي المعارضة: "كيف يظنن احد أن النظام سيلتزم بما سيصدر عن آستانة وهو لم يلتزم بكل ما صدر عن جنيف برعاية أممية"؟، مضيفا: "ومن قال ان ما يسير به الطرف التركي حاليا يتلاقى مع تطلعاتنا وآمال الشعب السوري؟ صحيح اننا نتلاقى مع الاتراك في الكثير من المحطات والاهداف والهموم، ولكن يبدو اليوم ان هناك حسابات تركية خاصة يجب ان نجد الطريقة الأنجع للتعامل معها"!.
ولا يبدو ان استياء المعارضة يقتصر على عدم تلاقي مصالحها مع مصالح اللاعب التركي، بل يتعدّاه لما يقول القيادي المعارض انّها "سياسة فرض تعتمدها انقرة حاليا محاولة ان تحدد ما يجب ان نقوله ونفعله!" واضاف: "هم تركيا يتركز حاليا على منطقة عازلة تسعى لانشائها لا تتعدى مساحتها الـ30 كلم لقطع الطريق على التوسع الكردي على حدودها، أما ما نسعى اليه نحن فتحرير كامل الاراضي السورية، اسقاط النظام وطرد كل الميليشيات والمجموعات الأجنبية من بلدنا".
وان كانت المعارضة السورية تتفهم حصر المفاوضات في آستانة بالفصائل العسكرية من منطلق ان ما سيتم التباحث به عسكري بحت ويتعلق بوقف اطلاق النار، تستغرب موافقة الثنائي التركي-الروسي على ترؤس بشّار الجعفري وفد النظام مقابل ترؤس محمد علوش القيادي في "جيش الاسلام" الوفد المعارض، منبّهة من سيناريو روسي يتم وضع اللمسات النهائية عليه، ينص وبشكل اساسي على تحييد قادة المعارضة السياسيين المعتدلين عن الحل المرتقب للأزمة السورية على حساب تفعيل دور المجموعات المسلحة ما يعزز طرح الحكومة العسكرية الانتقاليّة.
بالمحصّلة، يبدو جليًّا ان طرفي الصراع السوري يتجهان الى كازاخستان مرغمين، لاقتناع فريق النظام وحليفته ايران بقدرتهما على الحسم العسكري، واعتبار المعارضة ان التجارب السابقة للمفاوضات غير مشجعة وتندرج باطار اضاعة الوقت، ما يحدّ من النتائج المتوقعة من اجتماع آستانة خصوصا في ظل غياب واشنطن، اللاعب الأبرز على الساحة الدولية المنهمك بترتيب اوراقه مع تسلم دونالد ترامب مقاليد الحكم.