تتسارع الاستعدادات لتنظيم الدعوات وإعلان النيات حول مؤتمر آستانة المنوي عقده في كازاخستان، برعاية روسية - ايرانية- تركية، ويتجه كل طرف الى تحديد أولوياته من ذلك الاجتماع، والى وضع تصوراته حول الهدف المرتقب من ذلك الاجتماع.
وفي وقت أعلنت جميع الأطراف تقريبًا أن الاجتماع سوف يثبت الهدنة في كل أطراف سوريا، تباينت المواقف حول العديد من الأمور منها قدرة المؤتمر على إنضاج الحل السياسي، وحضور الأطراف المعنية، ففي وقت أعربت كل من روسيا وتركيا عن أملها في أن تقوم إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بإرسال خبراء الى المؤتمر ورحبت بدعوة واشنطن إليه، أعلنت ايران على لسان وزير خارجيتها رفضها لمشاركة الولايات المتحدة الأميركية الانضمام الى هذا المؤتمر.
ويومًا بعد يوم، تبدو الاتجاهات الاقليمية حول مؤتمر الآستانة أوضح من ذي قبل، على الشكل التالي:
- تركيا: تحاول تركيا الاستفادة من المؤتمر على خطوط عدّة، أولاً كسب الوقت لتحسين أوراق التفاوض وإعادة تسليح المجموعات المسلحة تمهيدًا لمعركة قادمة في الشمال السوري ستكون - لو حصلت - المعركة الأخيرة التي ستحدد مصير سوريا، ومصير الشرق الأوسط برمته، ولا نبالغ إذا قلنا، أن نتائجها ستكون حاسمة بالنسبة لمستقبل أردوغان السياسي، وقدرة تركيا على تخطي الصعوبات والتحديات التي تعانيها في الداخل. لذا، يمكن القول أن الهدنة المزمع تثبيتها تحتاجها تركيا لإعادة هيكلة ودعم المجموعات المسلحة فإما أن تستخدمها في فرض شروط على الحل السياسي، أو القتال من جديد.
- ايران: استطاع الايرانيون فرض أنفسهم طرفًا أساسيًا في الرعاية للحل، بعدما حاول الروس والأتراك استثناؤهم، وها هم اليوم يحاولون تثبيت ما تمّ تحقيقه من انتصارات ميدانية. لذا يريد الايرانيون من تثبيت الهدنة المرتقب أن يخفف الأعباء الحربية عنهم وعن حليفهم حزب الله. بالمقابل، يقوم الايرانيون بدعم صمود الدولة السورية ماديًا واقتصاديًا ويساهمون في إعادة الاعمار. ولعل الطرف الايراني كان الأسبق للتحضير لمرحلة ما بعد الحرب، إذ قام خلال الأيام الماضية بتوقيع اتفاقيات اقتصادية هامة، منها تشغيل الخلوي السوري، وميناء نفطي ايراني على الساحل السوري وغيرها.
- اسرائيل: تبدو الأكثر تبرمًا من المؤتمر، لذا تحاول الدفع الى التصعيد في سوريا عبر طيرانها، وعبر المجموعات المسلحة، لتجر السوريين الى رد تسقط معه الهدنة ويسقط المؤتمر.
- السعودية، وتجد نفسها غير قادرة على تعطيل المؤتمر ولو كانت راغبة بذلك، كما تنزعج بعدما أصبحت خارج رعاية الحل كما كانت خلال السنوات الماضية، بعدما احتكرت المعارضة التابعة للسعودية تمثيل المعارضة السورية. وبالرغم من أن الأتراك سمحوا لمحمد علوش ( الموالي للسعودية) بترؤس الوفد المعارض الى آستانة، للتخلص من الضغوط السعودية الميدانية في الداخل السوري بإسقاط الهدنة، إلا أن السعوديين يريدون على الأقل الحدّ من خسائر المؤتمر وذلك من خلال حصر أجندته بتثبيت الهدنة وتأجيل البحث بالحل السياسي لمرحلة قادمة قد يكونون فيها أفضل حالاً على الصعيد الميداني.
- الولايات المتحدة: في هذه الفترة الانتقالية الموسومة بالتحدي بين إدارتين متعاقبتين، وهو أمر لافت في السياسة الأميركية التي لطالما عُرفت بانتظام المؤسسات واحترام تداول السلطة السلس، لا يبدو أن الأميركيين قادرين أو راغبين بتعطيل مؤتمر أستانة، لعلمهم الأكيد أن الحل لن يكون سوى بإرادتهم في نهاية المطاف، وأنهم قادرون - من خلال الأوراق التي يمتلكونها- على فرضه أو تعطيله حين يشاؤون.
- روسيا: يبدو الروس المنتصر الأكبر في كل هذه المعمعة الاقليمية الشرق أوسطية، فلقد استطاعوا دعم الجيش السوري لتحرير حلب، وأثبتو بما لا يقبل الشكّ أنهم لاعب اساسي لا يمكن تخطيه في الشرق الأوسط، وأفشلوا خطة أوباما باستنزافهم في المستنقع السوري، وها هم اليوم يرعون حلاً سوريًا، سيبذلون الكثير من أجل تحقيقه، وخاصة في ظل وجود إدارة صديقة في البيت الأبيض.
إذًا، سيكون اجتماع آستانة محطة من محطات النزاع في سوريا، لا يعوّل عليها لحلّ الأزمة بشكل كلي، ولكنها قد تكون مقدمة لتخفيف حدّة النزاع العسكري المتفلت من كل ضوابط، فإن استطاع تثبيت الهدنة كما يعبّر أطرافه، فهو يكون قد ساهم في تخفيف معاناة السوريين، أما التفاؤل بأنه سيكون مقدمة لحل سوري نهائي، فهو تفاؤل مفرط لم يحن أوانه بعد.