المعادلات القائمة بين إسرائيل والمقاومة خليط من التعقيد والبساطة في آن. قدرة إسرائيل العسكرية كبيرة جداً، لكنها تخشى استخدامها جراء الثمن الذي ستتكبّده. في المحصلة، منذ أكثر من عشر سنوات على حرب عام 2006، منعت هذه المعادلة مواجهة شاملة، وردعت إسرائيل عما اعتادته كل بضع سنوات تجاه الساحة اللبنانية. إلا أن الردع، المتبادل كما تقرّ إسرائيل، لا يمنع بالمطلق نشوب المواجهة.
نظرياً، لدى إسرائيل كل الأسباب لشن حرب شاملة. فحزب الله هو التهديد الأول، بحسب التوصيف الرسمي الإسرائيلي. يزاد على ذلك، أن كل يوم تمتنع فيه إسرائيل عن «معالجة» هذا التهديد، يتراكم ويتعاظم كمّاً ونوعاً. لكن المفارقة ــــ المعضلة أن التهديد (السلاح) الذي يشكّل دافعاً لإسرائيل للمبادرة و»المعالجة الجراحية» لاجتثاثه، هو نفسه الذي يردعها عن «المعالجة»... ومع التراخي القسري عن المبادرة للاجتثاث، يتعاظم الردع المانع لها.
من هنا، دُفعت إسرائيل، جرّاء الردع عن العمل العسكري المباشر وخشية أكلافه، الى اتباع الخيارات البديلة الممكنة التي من شأنها ــــ حسب رهانها ــــ أن تحقق النتيجة نفسها. فراهنت في السنوات الماضية على مجموعة من العوامل والظروف والوقائع، رأت أنها تضغط على حزب الله وبيئته وداعميه، بدءاً من الساحة اللبنانية وتطوراتها، وصولاً الى الحرب السورية حيث كانت آمال تل أبيب كبيرة وطموحة جداً. لكن في كل مرة، وفي كل رهان، كانت تخرج خاسرة، فيما يخرج حزب الله أكثر اقتداراً، مع تعاظم قدراته الى ما هو أوسع وأشمل وأكثر تأثيراً وردعاً.
لم تدَع إسرائيل السنوات تمر من دون الاستعداد لما تعتبره أسوأ السيناريوات
رغم ذلك، لم تدع إسرائيل السنوات تمر من دون الاستعداد العسكري لما تعتبره أسوأ السيناريوات: الحرب. وهي الحرب التي تعلن على لسان مسؤوليها، بكل مستوياتهم، أنها غير معنية بها نتيجة أثمانها. استعداد الجيش الإسرائيلي، المعلن وغير المعلن، يتواصل منذ أكثر من عشر سنوات، لكنه لم يصل، بحسب التقارير الواردة من تل أبيب، الى المستوى الذي يمكّنه من تجاوز أكلاف الحرب أو تقليصها.
مع ذلك، فإن امتناع إسرائيل وردعها، لا يعنيان، بالمطلق، أن إرادة الحرب انتفت. نعم قدرة حزب الله العسكرية وصلت الى حد يدفع الاحتلال إلى التفكير بكل الخيارات الممكنة البديلة، قبل المبادرة إلى المواجهة، وهو متغير فاعل ومؤثر على صاحب القرار في تل أبيب. لكن مع انتفاء هذه الخيارات في مواجهة حزب الله، كما يتضح أخيراً في المسارات القائمة في الحرب السورية، باتت إسرائيل أمام استحقاق غير سهل، ويصعب توقعه في ظل تعاظم التهديد إن امتنعت عن المواجهة، وارتفاع الثمن إن أقدمت عليها.
في سياق هذه المعادلة، تسعى تل أبيب في زمن اللاحرب الى رفع مستوى ردعها، عبر إفهام حزب الله بأنها مدركة لتفاصيل تهديده ومكوناته، وأنها مستعدة للمواجهة إذا اقتضى الأمر. وهي حرب من نوع آخر تستهدف وعي قيادة حزب الله وبيئته وجمهوره، كما تستهدف الوعي الجمعي للإسرائيليين، عبر التأكيد أنها جاهزة لأي سيناريو مع الساحة اللبنانية.
وفي هذا السياق، تأتي المواقف والتصريحات المتعاقبة للمسؤولين السياسيين والعسكريين، والتقارير التي ينشرها الإعلام العبري، ومنها ما ورد أمس عن سلاح البحرية في الجيش الإسرائيلي حول تهديد حزب الله البحري والاستعداد لمواجهته، علماً بأن هذا السلاح، تحديداً، كان قد حُيّد في حرب عام 2006، مع إمكانات بسيطة نسبياً كانت في حوزة المقاومة، قياساً بما لديها الآن.
قائد قاعدة حيفا في سلاح البحرية الإسرائيلية العميد دافيد سلمه حذّر الإسرائيليين من توقعاتهم للحرب المقبلة، مشيراً الى أن حزب الله لم يعد منظمة صغيرة تتّبع حرب العصابات، بل شبه جيش مع اختلاف كبير في القدرة العسكرية قياساً بالماضي. وإذا كان في حوزته سابقاً نوع واحد من الصواريخ مع أعداد قليلة، فإن لديه الآن صواريخ ذات رؤوس حربية متنوعة لمديات مختلفة، وهو «قام بقفزة نوعية في هذه المجالات». وتابع: «عندما يتحدث (الأمين العام لحزب الله السيد حسن) نصرالله عن السيطرة على الجليل، فيجب الافتراض أنه سيصل إليه أيضاً من البحر، بل هم (حزب الله) يتجهّزون ويتدرّبون على ذلك، والأفلام التي ينشرونها تظهر مقاتليهم يعملون في البحر، الأمر الذي يوجب على الجيش الإسرائيلي الاستعداد والتعاون المشترك بين أذرع الجيش الثلاث: البر، البحر والجو».
ولم يستبعد الضابط الإسرائيلي تكرار حادثة إصابة السفينة الحربية «ساعر» في الحرب المقبلة، كما حدث في 2006، كما لم يستبعد إقدام حزب الله على استهداف منصات استخراج الغاز في البحر، إن اندلعت المواجهة. وقال: «علينا أن نستمع جيداً الى التهديدات الصادرة عن نصرالله، في هذا المجال».
يشار في هذا السياق، إلى خبر ذي دلالات ورد أمس في صحيفة «هآرتس»، وجاء فيه أن رئيس هيئة الأركان العامة للجيش غادي أيزنكوت جمع الضباط من رتبة عميد وما فوق في لقاء خاص مع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، في معسكر الكليات العسكرية في قاعدة غليلوت العسكرية شمال تل ابيب، من دون الكشف عن تفاصيل اللقاء ومضمونه، علماً بأنه سبق اللقاء زيارة تفقدية لأيزنكوت للمواقع العسكرية على الحدود اللبنانية.