وصَل رئيس مجلس النواب نبيه برّي الليل بالنهار إلى أن تمكّن من إطلاق المخطوف سعد ريشا من أيدي خاطفيه، لأنّ حجم ما تلقّاه من معطيات وما شاهده من تحرّكات ولّد لديه مخاوفَ حقيقية من حصول فتنة مستطيرة في البلاد.
يروي بري الساعات الثقيلة التي أمضاها وهو يتابع السعي لإطلاق ريشا عبر التواصل الدائم مع المسؤول في حركة «أمل» بسام طليس بعدما استعجله العودة من مهمة له في الجنوب الى بريتال ليعمل على كشف مصير المخطوف وتخليصه من براثن خاطفيه الذين اكتفوا باتصال عاجل مع جهة أمنية وكان مضمونه فقط: «بدنا مليون دولار».
ولم تتمكن هذه الجهة من معرفة مكان الاتصال لأنه دام للحظات فقط، وغاب الخاطفون عن السمع، ما جعل مهمة طليس، وكذلك مسؤولين في حزب الله صعبة، الى ان حققت نتائجها السعيدة بعودة المخطوف الى اهله.
ويقول بري انه تلقّى سيلاً من الاتصالات من نواب زحلة وقيادات وفاعليات في المدينة والبقاع تستعجله مساعيَه لإطلاق ريشا لأنّ تحركات زحلية بدأت تحصل على الارض من قطعِ طرقٍ وتهديد بأعمال خطف ربّما تحدِث فتنة في المنطقة في حال حصل للمخطوف ايّ مكروه. فالرجل سبعيني ومريض وسمعُه شحيح وخطفُه قد يودي بحياته، ما قد يولّد ردودَ فعلٍ لا تُحمد عقباها.
ويضيف بري أنه فور إطلاق ريشا اتصل بوزير الداخلية نهاد المشنوق، مؤكداً له انّ ما حصل يزيده إصراراً على ضرورة تنفيذ خطة امنية شاملة ونهائية للبقاع لتخليص المنطقة من كلّ ما يحصل فيها من حوادث خطف وسلب وقتل وغيرها، مشيراً الى انّ «اول المتضررين ممّا يحصل هم أهلنا في البقاع».
ومؤكداً انّ إنساناً في المنطقة لا يستطيع ان يستثمر في ايّ مجال نتيجة هذه الاعمال، ولذلك فإنّ الضرر مما يجري هو على اهل المنطقة بالدرجة الاولى.
ويشدد بري على انه «لا يمكن تحقيق ايّ إنماء في منطقة البقاع من دون توافر الامن، ولذلك المطلوب تنفيذ خطة امنية تُرسي الامن والاستقرار في المنطقة لتنطلق عجلة الإنماء فيها بفعالية ونجاح».
على انّ جريمة الخطف الجديدة والتي فتَحت ملف الخطة الأمنية للبقاع، كما لكلّ المناطق النائية، اعادت ايضاً فتحَ الملف الإنمائي لهذه المناطق، في ظلّ نقاش بدأ في بعض الأروقة حول اولوية ايّ مِن الملفين الأمن أولاً أم الإنماء اولاً، علماً انّ نقاشاً يدور منذ سنوات في بعض دوائر الدولة المعنية، وكذلك في لقاءات بين قيادتَي حزب الله وحركة «أمل»، يمهّد لحلّ قضائي وأمني للواقع في منطقة البقاع، وتحديداً في محافظة بعلبك ـ الهرمل، حيث عمل الطرَفان على درس حلول لموضوع عشرات الألوف من المذكرات القضائية الصادرة في حق أشخاص في تلك المحافظة منذ عشرات السنين في اتجاه إيجاد حلّ قضائي لها تتكوّن منه بداية لحلّ امني ـ إنمائي للمنطقة.
ويركّز البحث على إيجاد حلول للمذكرات المتعلقة بجرائم السلب والسرقة وزراعة المخدّرات والإتجار بها باستثناء المذكرات الصادرة في حق مطلوبين ارتكبوا جرائم قتل، لأنّ مثلَ هذه الجرائم لا يمكن إصدار عفو فيها، سواء كان المرتكبون من ابناء المنطقة او ايّ منطقة أُخرى في لبنان.
ويبدو انّ البحث سينشَط في هذا الملف مجدداً في موازاة البحث في تنفيذ الخطة الامنية، وكذلك سينشط البحث في تنفيذ مشاريع إنمائية في البقاع وكذلك في عكار، والبعض يقترح ان تصدِر الدولة قراراً يقضي بالتدرج الضريبي من مئة في المئة على كلّ مصنع او مؤسسة تنشأ في المدن الى صفر في المئة لكلّ مصنع او مشروع ينفّذ في المناطق النائية، وذلك بغية خلقِ فرص عمل وأسواق لليد العاملة في تلك المناطق وتعزيز حضور الدولة ومؤسساتها وأجهزتها فيها بما يخفّف النزوح من الأرياف الى المدن ويؤمّن فرَص العمل للمواطنين في مناطق سكنِهم.
كذلك يقترح البعض ان يكون من ضمن الخطة الإنمائية سواء في إطار «الإنماء المتوازن» المنصوص عنه في اتفاق الطائف او غيره، ان تصدر الدولة قراراً يشَرعن زراعة المخدّرات للأغراض الطبية، مثلما هو الحال في كثير من الدول، بحيث تشتري الدولة المحاصيلَ لغرضِ التصنيع الطبّي او لتصديرها بموجب اتّفاقات مع الدول التي تستخدمها للأغراض الطبية، على ان تكون هذه المزروعات خاضعة لرقابة رسمية محكَمة، بما يمنع الإتجار بها أو تصنيعها واستخدامها محلياً.
وكان رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط اولَ مَن دعا الى تشريع زراعة المخدرات في لبنان لأغراض طبّية، في إطار اقتراح قدّمه للمساهمة في حلّ المشكلات التي تعاني منها المناطق النائية اقتصادياً وإنمائياً وأمنياً، وقد لاقى موقفه يومها ترحيباً لدى البعض واعتراضاً لدى البعض الآخر.
ويقول البعض ايضاً إنّ مِن الحلول التي تعزز الامنَ والاستقرار في المناطق النائية والتي تعتمد على الزراعة بالدرجة الاولى في معيشتها واقتصادها، تنشيطُ قطاع الصناعات الغذائية عبر إنشاء مصانع لهذه الغاية في تلك المناطق، فيتوافر تصريف الإنتاج الذي غالبا ماً يَكسد ويكبّد المزارعين الخسائر سنوياً، فضلاً عن دعم القطاع الزراعي والمزارع تحديداً، خصوصاً أنّ الدعم المقدّم حالياً عبر مؤسسة «إيدال» والذي يقتصر على دعم الصادرات الزراعية لا يستفيد منه إلّا التجّار والمصدّرون، فيما المزارعون لا ينالون إلّا الخسائر المتتالية، وفي أحسن الحالات يخرجون من مواسمِهم «كيت»، أي لا ربح ولا خسارة، فمواسمُهم يشتريها التجّار بأسعار متدنّية جداً ليصدّروها بأسعار مرتفعة وينالوا «قيمة مضافة» هي دعم الدولة لتصديرها، فتنتفخ جيوبهم، فيما جيوب المزارعين تخوي. وهذه الحال ليست حال مزارعي البقاع وعكار فقط وإنما هي حال جميع المزارعين في كلّ لبنان.
ولذلك يرى البعض انّ الأمن والإنماء للمناطق النائية والمحرومة يجب أن يسيرا جنباً إلى جنب، وفق خطط شاملة وفعّالة، ومن دون هذا، عبثاً تحاولون... ولكن من المعيب على ايّ كان تبرير اعمال الخطف المشينة يغيةَ الحصول على فدية بالحرمان وسوء الحال. فالحرمان قضيّة تحتاج الى معالجة... ولكنّ الخطف جريمة في حقّ الإنسانية بكلّ المقاييس وتستحق العقاب الكبير والسريع.