على هامش مؤتمر الآستانة، الذي إنعقد بين الحكومة السورية وفصائل المعارضة، برعاية روسية وتركية وإيرانية، دخل البيت "الجهادي" في بلاد الشام مرحلة جديدة، أقل ما يقال عنها أنها خطيرة، تحت عنوان مخاوف جبهة "فتح الشام"، أي جبهة "النصرة" سابقاً، من التطورات المنتظرة، لا سيما في ظل التوافق الإقليمي والدولي على تصنيفها منظمة إرهابية إلى جانب تنظيم "داعش".
خلال الأيام الماضية، برزت العديد من الأحداث التي ينبغي التوقف عندها، خصوصاً أن "فتح الشام" لم تنتظر نتائج مؤتمر الآستانة حتى تطلق حملة عسكرية واسعة تستهدف أبرز فصائل المعارضة، لا سيما تلك المشاركة في هذا المؤتمر، بالتوازي مع إعلانها فك إرتباط جماعة "جند الأقصى" بها، في حين كان القيادي في حركة "أحرار الشام" أبو جبار الشيخ، أحد أبرز الشخصيات المقربة من "فتح الشام"، يعلن إنهاء "جيش الأحرار"، الذي كان قد شكله من 16 فصيلاً انشقوا عن الحركة وطالبهم بالعودة إلى قطاعاتهم ضمن الحركة ومبايعة قائدها العام.
في هذا السياق، لا يمكن تجاهل موقف الفصائل التي جلست على طاولة المفاوضات، حيث رفضت البحث في ملف "فتح الشام" قبل إخراج الميليشيات الأجنبية من سوريا، في مؤشر إلى أن هذه الفصائل، التي حددت هدفها بالإتفاق على وقف إطلاق النار، تريد الإستفادة من هذا الملفّ كورقة تفاوض عليها لتحسين شروطها، مع العلم أنها في السابق توافقت على رفض عزل الجبهة بأي شكل من الأشكال، في حين كان التوافق الروسي والتركي والإيراني حول هذه النقطة هو الطاغي، من دون تجاهل الغارات التي يقوم بها التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، الذي تقوده الولايات المتحدة، على مواقعها ومراكزها.
إنطلاقاً من هذا الواقع ينبغي تحديد بعض النقاط لفهم حقيقة ما يجري، نظراً إلى أن إنفجار الأوضاع بالشكل الحالي ليس وليد الساعة بل هو نتيجة تراكمات كبيرة، في البداية كانت "فتح الشام" تطمح، بعد إعلانها عن فك الإرتباط مع تنظيم "القاعدة"، إلى الإندماج مع باقي الفصائل المعارضة، بشكل يؤمّن لها الحماية من الإستهداف والتصنيف كمنظمة إرهابية، لكنها لم تنجح في تحقيق هذا الهدف، بل وجدت مع مرور الوقت أن تلك الفصائل غير متحمسة لهذه الخطوة، بسبب الفيتوات الموضعة عليها من جانب القوى الداعمة لها، التي كانت تستفيد من القوة العسكرية التي تمتلكها الجبهة في الفترة السابقة، لتكتشف مع إقتراب موعد مؤتمر الآستانة أن الفصائل نفسها لا تستطيع الخروج من العباءة التركية، في حين أن أنقرة باتت تضع على رأس قائمة أولوياتها التفاهم مع موسكو.
وفي حين تعتبر "أحرار الشام" أحد أبرز فصائل المعارضة التي لديها علاقة ملتبسة مع "فتح الشام"، لناحية التحالف مع رفض الإندماج، بالتوازي مع علاقتها مع الحكومة التركية، كانت أول من وضع على دائرة الإستهداف من جانب الجبهة، لكن بطريقة غير مباشرة عبر "جند الأقصى"، التي سارعت "فتح الشام" لاحقاً إلى التبرؤ منها، بعد أن تولت تأمين الحماية لها عندما كانت الفصائل مجتمعة على محاربتها قبل أشهر قليلة، إلا أن هذه الخطوة لم تلغ مخطط إستهداف مجموعات أخرى، حيث باشرت "فتح الشام" رسمياً بحملة عسكرية تستهدف "جيش المجاهدين" و"الجبهة الشامية" و"صقور الشام" وغيرها من القوى، الأمر الذي دفع شخصيات فاعلة على هذه الساحة إلى إصدار بيانات منددة ورافضة لما تقوم به الجبهة، في حين لم تتردد بعض الشخصيات والمجموعات في "فتح الشام" في إعلان إنشقاقها عنها.
بناء على ذلك، يمكن القول أن الجبهة دخلت حربا إستبقاية ضد فصائل المعارضة السورية، وتضع على رأس قائمة أهدافها التخلص من تلك التي من الممكن أن تتحول إلى قتالها في المستقبل، في حين قرّرت بعض الفصائل الأخرى الدخول في المواجهة، بينما أصدرت "أحرار الشام" بيانا عالي السقف، وصفت فيه ما تقوم به "فتح الشام" بـ"البغي" و"العدوان" وأكدت أنها لن تسمح أبداً لكائن من كان أن يعبث بالساحة لأجل مصالحه الفصائلية الضيقة، ما يؤشر إلى أن الجبهة، من وجهة نظر الحركة، تسير اليوم على خطى "داعش"، الذي كان يقاتل إلى جانب قوى المعارضة في السابق، ومن ثم عاد إلى الإنقلاب عليها.
في المحصلة، دخلت الساحة السورية في مرحلة الحسم، على مستوى علاقة الفصائل المعارضة مع المجموعات المصنفة إرهابية، بغض النظر عن المسار الذي ستسلكه الأحداث في الأيام المقبلة.