لم تكشف موسكو في مؤتمر آستانة الذي عُقد مطلع الأسبوع والذي شهد على مفاوضات غير مباشرة بين وفد من النظام السوري وآخر من المعارضة، الا بعضا من الأوراق التي تُعدها بتأنٍّ لحل الأزمة السورية. فاللاعب الروسي بات على قناعة تامة بأنّه نجح بالامساك بالملف السوري وفرض نفسه قبطانا للسفينة يوجهها كما أراد بعد قرار الادارة الأميركية السابقة التراجع الى الصفوف الخلفية لانشغالها بملفات داخلية ما مكنه من الامساك بمفاصل اللعبة، كيف لا وهو انتقل وبسحر ساحر بنظر المعارضين من حليف استراتيجي للنظام، وبالتالي عدو فعلي لهم تم اتهامه بارتكاب مجازر متعددة في مناطق سيطرتهم، الى طرف حيادي يرعى مؤتمر لتثبيت وقف اطلاق النار، وصولا لتحوله احد الفرقاء الذين سيضمنون ويراقبون أي خروقات للهدنة!
وتعتمد الخطة الروسية للحل التي تسعى موسكو لتكون بخطوات متلاحقة وان لم يكن بالسرعة التي ينشدها السوريون، على 4 نقاط أساسية، بدأ فعليا تطبيق أولها، الا وهو ارساء وقف اطلاق نار حقيقي في المناطق المتنازع عليها بين النظام والفصائل المسلحة. وتقضي المرحلة الثانية والتي أيضا انطلقت أولى خطواتها العملية باتجاهها، بشن حرب يُشارك فيها أكثر من طرف لانهاء وجود "جبهة النصرة" أو ما يُعرف بـ"فتح الشام". ولعل الصراع الذي انفجر بين الجبهة وباقي فصائل المعارضة في ادلب يصب في هذا السياق، اضف الى ذلك العمليات الجوية التي ينفذها التحالف الدولي وموسكو من خلال استهداف مقرّات الجبهة واجتماعات قيادييها ما أدّى لمقتل العشرات منهم في الأشهر القليلة الماضية.
ومن المتوقع ان تسير الحرب على "النصرة" بالتوزاي مع الحرب المستمرة على "داعش" على ألاّ يُعطل ذلك انطلاق المرحلة الثالثة من الخطة خلال الأشهر القليلة المقبلة. وتقضي هذه المرحلة باقرار دستور جديد لسوريا تم تسليم مسودة عنه خلال اجتماع آستانة لرئيس وفد المعارضة على ان يتم وضع الملاحظات عليه تمهيدا لاستفتاء شعبي حوله، كما أكّدت مصادر مطّلعة على الخطة الروسية للحل. وأشارت أيضا الى ان المسوّدة الروسية تتّكىء على الدستور السوري الذي تم تعديله عام 2012.
وتصل الخطة الروسية لخواتيمها بالدعوة الى انتخابات رئاسية لا يتم فيها وضع فيتو على أيّ من المرشحين، الا ان الأمور على هذا المستوى، لم تتبلور بشكل نهائي بعد بالنسبة للادارة الروسية التي لا تزال تبحث حول مدى امكانية انجاح مسعاها لاحلال السلام في حال بقاء الأسد على رأس السلطة.
وتعي موسكو تماما أنّها غير قادرة وحدها على ضمان تنفيذ هذه الخطة فعليا على أرض الواقع، لذلك نجحت الى حد بعيد بانشاء حلف دولي-اقليمي بوقت قياسي، يضمّها الى تركيا وايران اللاعبين الاساسيين القادرين على التأثير على طرفي الصراع السوري. ولعل أبرز ما نتج عن مؤتمر آستانة كان تثبيت وجود الحلف الروسي-التركي–الايراني من خلال توكيله بمهمة أولى معلنة بوضع آلية لمراقبة وقف اطلاق النار.
وبالرغم من الطموح الروسي المتصاعد في سوريا والذي ينعكس خططا استراتيجية وخطوات عملية في الميدان، يعتقد خبراء أنّ من المبكر الحسم بقدرة موسكو على اتمام مهمتها بنجاح، بانتظار تبلور خطة الادارة الأميركية الجديدة لسوريا، والتي لا يزال شبه مستحيل التنبؤ بخطوطها العريضة. ومن هنا يأتي الدفع الروسي لتقدم الامور بسرعة بمحاولة لدفع اللاعب الأميركي بوقت لاحق الى التماهي وقواعد اللعبة الروسية في سوريا!