قديماً قال بن غوريون وهو أوّل رئيس وزراء للكيان الصهيوني: «نجاحنا لا يعتمد على ذكائنا بقدر ما يعتمد على جهل وغباء الطرف الآخر».
وبالفعل، فإنْ صحّت هذه المقولة المنسوبة إليه، فإنّ الجهل والغباء العربيين هما سبب سطوة ونفوذ واستعلاء الصهاينة وتجرّؤهم على احتلال بلداننا، وتفرّجهم على مشاهد القتل والعنف والصراعات التي تجري على أشدّها بين أبناء العروبة وأبناء الوطن الواحد.
نجاح الكيان الصهيوني في الحفاظ على قوّته طيلة هذه المدة يعود بدرجة أكيدة إلى تشاغل العرب ببعضهم، والتآمر على بعضهم بعضاً، وجعل قضاياهم الرئيسية تتمحور حول الذات والنظام والرئاسة والفخامة وطقوس التبجيل واحتفالات التنصيب التي تجعل الملك والأمير وصاحب الفخامة «القبلة» التي يجب أن تتوجّه إليها الجماهير.
لم يعمل هؤلاء الملوك والرؤساء منذ إنشاء الكيان «الإسرائيلي» على بناء وحدة حقيقية يعيش فيها العرب كأخوة وأشقاء. لم يكن الوطن العربي وطناً واحداً بل كان جزراً متباعدة عن بعضها. كان سهلاً أن ينتقل العربي إلى أوروبا وأفريقيا وأميركا من أن ينتقل إلى بلد عربي آخر. لم يحصل أن وجد العرب أنفسهم أنهم مشتركون بالهوية واللغة والتراث والتاريخ والجغرافيا إلا في الكتب والأفكار. كان الواقع يعكس حالة غريبة من الانفصال والأنا والقُطرية. لم تُترجم أي من المشاريع العربية التي تقدّم بها كبار من أمثال جمال عبد الناصر وحافظ الأسد لمواجهة الكيان الصهيوني. ظلّت مشاريعهما آمالاً وأحلاماً وتطلعات حتى جاء حزب الله بقيادة سيد عربي فذّ يقول للعرب قبل الأعداء «إسرائيل هذه والله أوهن من بيت العنكبوت».
في هذه الأيام قادة العدو يهدّدون لبنان من جديد. فالانتصارات التي حققها محور المقاومة في سورية وإفشاله مخططات التقسيم، وصناعة شرق أوسط أميركي «إسرائيلي»، تستوجب الانتقال إلى خطة أخرى. هذه الخطة، كما يزعمون، تقوم على شنَّ حرب ثالثة على لبنان. لكنّ هؤلاء الذين يجتمعون في «الكنيست الإسرائيلية» أو في الحكومة «الإسرائيلية»، لم يستوعبوا أنّ الزمن قد تغيّر كثيراً، وأنّ جماعة عربية تستقي من الإسلام مبادئها في المعرفة والثورة والقوة والمقاومة هي اليوم في موقع الجهوزية والحضور وستواجه بشراسة كل اعتداء على لبنان.
يقول أمير المؤمنين علي: «وَإِنَّ أَخَا الْحَرْبِ الْأَرِقُ وَمَنْ نَامَ لَمْ يُنَمْ عَنْهُ».
صحيح أنّ المقاومة مشغولة على أكثر من جبهة، لكن العين ساهرة، واليد على الزناد. ومن يظنّ في الكيان الصهيوني أنّ حرباً ثالثة ستُنهي حزب الله فهو واهم واهم حتى ينقطع النفس. والنتيجة بعد الخاتمة وإنّ غداً لناظره قريب…!