كان ينقص المشروع المتداول لقانون الانتخاب أن يُرفق بلائحة أسماء النواب الذين سيفوزون حكماً، إذ ليس منطقياً أن يكون الدستور قاعدة التشريع وأساسه، ثم تأتي الأفكار مخالفة لأبسط الحقوق، وهي المساواة الكاملة بين المواطنين. فكيف إذا كان الهدف إقرار قانون يحقق عدالة التمثيل وصحته.
الرئيس ميشال عون قام بخطوة أولى وأساسية، وهي تأكيد التزامه خطاب القسَم، وأن الانتخابات النيابية ستحصل وفق قانون جديد يحقق عدالة التمثيل. ورئيس الجمهورية بات على اقتناع، منذ سنوات، بأن اعتماد النسبية الكاملة مع اعتماد لبنان دائرة واحدة هو الأفضل لتوفير تمثيل هو الأقرب الى خيارات الناس. وما تلويحه للقوى السياسية برفض أي محاولة لإمرار قانون الستين إلا البطاقة الصفراء التي يحتاج إليها اللاعبون المعتادون مناورات اللحظة الأخيرة. لكن، هل يتوقف الأمر عند هذا الحد؟
ينقص معدّي الاقتراح «العجيبة»
أن يرفقوا نص المشروع بلائحة النواب الفائزين
وليس من داعٍ للانتخابات
أولاً، يجب لفت الانتباه الى أن التيار الوطني الحر، الذي يمثل الرئيس عون مرجعيته، تبنى من خلال الوزير جبران باسيل مجموعة من المقترحات التي تخالف الهدف المنشود بتحقيق العدالة والتمثيل الصحيح. وأن القوى الأخرى المشاركة في الاتصالات أظهرت تفهماً لتصورات واقتراحات هدفها معالجة الطبقة السياسية الحاكمة، وليس معالجة التمثيل الذي يتناسب مع توجهات الجمهور. وبالتالي، إذا كان من غير المنطقي رهن البلاد بحسابات مرجع طائفي واحد، مثل النائب وليد جنبلاط، فإن العلاج لا يكون بمساواة القوى نفسها بما يريده جنبلاط، فتكون النتيجة أن التعديل الوحيد الذي سيطرأ على الحياة السياسية هو تغير في التمثيل المسيحي.
مرة جديدة، صحيح أن هناك خطأً عمره ربع قرن، وأنه آن الأوان لتصحيح شامل للتمثيل المسيحي. لكن شيئاً من الواقعية يشير الى أن معظم المقاعد المسيحية، في الانتخابات التي جرت عامَي 2005 و2009، ذهبت لمصلحة قوى لها تمثيلها الحقيقي عند المسيحيين، من التيار الوطني الحر الى حزب الكتائب و»القوات اللبنانية» وبعض قيادات 14 آذار. وما تبقى إنما هو ناجم، أصلاً، عن طبيعة القانون الانتخابي المعمول به، والذي يجعل قوى ذات غالبية طائفية تتحكم بمصير أقليات طائفية أخرى، وهو الحاصل عند النائب جنبلاط كما عند الرئيس سعد الحريري.
لكن كيف يكون العلاج؟
بالتأكيد، ليس من خلال اللجوء الى تناغم على صعيد صياغة المرجعيات السياسية في كل طائفة، وفق المنطق القائم. من قال لكم، أيها المسيحيون، إن الثنائية الشيعية هي الأفضل لمصالح الشيعة، وإن الثنائية الدرزية هي الأفضل لمصالح الدروز، وإن الأحادية الحريرية تمثل مصالح السنّة في لبنان؟
تعرفون جيداً، ويعرف الناس، أن المشكلة هي في أن هذه الثنائيات، أو هذه الأحاديات، تمنع بفعل القانون الأكثري تمثيل الأقليات التي لها وجودها الحقيقي، بمعزل عن حجمها، وحتى لو كانت مختصرة بنائب واحد عند الشيعة، أو نائبين عند السنّة أو نصف نائب عند الدروز.
فهل يكون العلاج بثوب عجيب غريب يحيكه خيّاطون سيئون من مجموعة «رقع»، يجمعها مجرد بصاق لا لواصق جدية؟
كيف تكون هناك عدالة وصحة في التمثيل عندما يمنع أهالي النبطية وبنت جبيل من اختيار أحد غير ممثلي حزب الله وحركة أمل؟ وكيف تستوي صحة التمثيل عندما يحصر تمثيل سنّة صيدا بتيار «المستقبل»؟ وكيف تكون هناك استعادة لحق المسيحيين باختيار ممثليهم، عندما يهدَّد حزب الكتائب، أو الحزب القومي، أو اليسار في المتن الشمالي بالحرمان من التمثل بمقعد مسيحي؟ وماذا لو أن كتلة مسيحية في جزين، تجد نفسها أقرب الى التحالف مع الرئيس نبيه بري من التحالف مع حزب الله، لكنها ممنوعة من ذلك بفعل اعتماد الأكثرية في هذه الدائرة؟
عن أي عدالة وصحة تمثيل نتحدث هنا، وعن أي تغيير حقيقي نعد الناس به، ونحن نقدم نماذج من قوانين الانتخابات هي الأكثر ضرراً من كل القوانين التي وضعت خلال فترة الوصاية السورية على القرار في لبنان. وكيف نكون في مرحلة تحرير أصوات الأقليات الطائفية أو المناطقية أو السياسية، عندما ننقل مصيرها من يد أغلبية حاكمة إلى أغلبية متحالفة بقصد الاستئثار بالسلطة؟
ومن قال إن التنوع داخل المذاهب المسيحية مختلف عن التنوع داخل المذاهب الإسلامية؟ هل من ضرورة لاستعادة الماضي الدموي بين الكاثوليك والأرثوذكس، والخشية من الفلاحين الموارنة، من أجل الفصل بينهم، كما هي الحال بين المذاهب الإسلامية؟ ومنذ متى كان الأمر كتلة مندمجة اندماجاً كلياً في الحالة المسيحية؟ ومن قال لكم إن دمج المسلمين، كما هو مقترح للمسيحيين، أمر مضرّ، بل ربما يخفف أصلاً من حدّة الاحتقان القائم بين شيعي وسني ودرزي وعلوي.
ما هي المعايير، ومن أفتى بها، حتى تتحول الى مادة نقاش جدية، بينما يصار الى إيهامنا بأن اعتماد النسبية سيكسر احتكار النظام الأكثري؟ ألا يعلم من يقف خلف هذه التصورات أنه يوجه ضربة قاضية لخيار النسبية، ويجعل قانون الستين الأرحم والأفضل؟
واضح أن الأمور تحتاج الى صوت أعلى، وأكثر من ذلك، الى احتجاج أكبر. وفي هذه الحالة، بدل أن نقع تحت ضغط رافضي النسبية ونذهب نحو قانون هجين، فلنذهب الى رفع سقف المواجهة مطالبين بالنسبية المطلقة، ولنبذل الجهد لنشرح لكل الخائفين من أنه ليس قانوناً يمحو ذكر هذا أو ذاك، ولنقنع المعارضين ــ المتضررين، بأن ما يخسرونه إنما سيذهب الى أصحابه الحقيقيين، لا إلى منتحلي صفة جدد.
إنه التحدي من جديد. لكنه التحدي الذي يقف عند عتبة قصر بعبدا، حيث على الرئيس عون تقع مسؤولية، ليس احترام خطاب القسم فحسب، بل تعليم الناس، من الأقربين والأبعدين، أن احترام الدستور هو المدخل الى احترام القوانين، واحترام حقوق الناس في عدالة كاملة.