لا يزال لبنان حتى هذه الساعة خارج التداعيات السلبيّة الكبرى للحروب الدائرة في كل من سوريا والعراق واليمن، باستثناء محاولة تنفيذ بعض العمليات الارهابيّة التي تم إجهاضها، تضاف اليها ازمة النازحين السوريين.
وجاءت الانتخابات الرئاسية التي حملت العماد ميشال عون الى قصر بعبدا لتؤكد بأن التفاهمات الإقليمية والدولية لتحييد لبنان عن أزمات المنطقة ما زالت قائمة، وكذلك الإصرار على استقراره الامني والسياسي، دون وجود تصوّر عما ستكون عليه الاوضاع فيه، سواء استمرت الحروب ام حصلت تفاهمات سياسية لوقفها، مع الإشارة الى ان اي تطور في سوريا لا بد وان ينعكس على الاوضاع اللبنانية، وهذه حقيقة جيو استراتيجية ثابتة.
وتوقفت مصادر سياسية عند كلام رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لجهة ان الذين يطالبون برحيل الرئيس السوري بشار الاسد "يجهلون سوريا" و"اننا كنّا امام ليبيا ثانية هنا لولا النظام القائم حاليًّا، فالرئيس الاسد يشكل القوة الوحيدة التي بإمكانها إعادة فرض النظام وإعادة لم الشمل"، ورأت هذه المصادر في كلام عون وجهة نظر مبنيّة على وقائع، وليست لارضاء أحد، او مسايرة لأي فريق لبناني، كما انها ليست موجهة ضد أي فريق آخر يدور في فلك سياسات تصر على رحيل الرئيس الأسد كشرط لحل سياسي في سوريا.
وتعتقد المصادر نفسها ان قراءة الجنرال عون للمواقف الدولية وللأحداث في المنطقة، منذ عودته من المنفى، ساهمت الى حد كبير في ربح معركته الرئاسية، رغم توقعات عدد من القوى المحليّة باستحالة وصوله الى سدّة الرئاسة.
وتعدد المصادر بعض الاسباب التي دفعت رئيس الجمهورية اللبنانية الى البوح عن رأيه، بأنّ الأسد هو القوّة الوحيدة التي تستطيع لمّ الشمل في سوريا:
1-ان موقف الادارة الاميركية الجديدة من الأزمات في منطقة الشرق الاوسط وخصوصًا الطريقة التي تعاملت فيها الولايات المتحدة مع الرئيس العراقي صدام حسين، لم تصبّ في صالح واشنطن، مشيرة الى ان الفريق الجديد يؤكد بأن أولويات دونالد ترامب الخارجيّة هي دحر المجموعات المعروفة بداعش وكل القوى الارهابية المتطرفة، وان من يحارب هذه التنظيمات حاليا هو النظام السوري والحلفاء، وان على دول الخليج ان تلجم مواطنيها عن تقديم المساعدات المالية واللوجستية الى داعش وغيرها من المنظمات الارهابيّة المتطرفة، اذا ما رغبت في ان تكون العلاقة مع الادارة الجديدة افضل من علاقاتها مع الرىئيس السابق باراك اوباما.
2-من الاسباب الاخرى التي دفعت بالجنرال عون الى هذا الرأي، هي ان النظام السوري حافظ على الأقليّات المسيحيّة، التي تحرص واشنطن ومعها دول أخرى فاعلة مثل روسيا والاتحاد الاوروبي، على عدم تهجيرها كما حصل في العراق.
ولفتت المصادر الى ان الدول الثلاث (روسيا، إيران وتركيا) التي دعت ورعت مؤتمر آستانة الأخير حول الوضع في سوريا، لم تتطرق الى مصير الاسد او نظامه، بل على العكس فقد بدّلت تركيا نظرتها وعبر مسؤول في خارجيتها بأن بقاء النظام ورئيسه سيكون عاملا مساعدا لايجاد حل للازمة.
3-تريث ترامب في إصدار قرار بإنشاء مناطق آمنة في سوريا لإيواء النازحين السوريين، والتي كان يمكن ان تكون قواعد عسكرية في المستقبل لمحاربة النظام تمهيدا لإسقاطه، كما اشارت تقارير أميركية سابقة.
وخلصت المصادر الى القول بأن الجنرال عون مثله مثل بقية رؤساء الدول يعرفون جيدا ان نظام بشار الاسد الذي يخوض حربا قاسية منذ اكثر من خمسة أعوام ضد مجموعات محلية وعالمية مسلحة، مدعومة ماليا وعسكريا من دول عدة، لم يتعرض لا لانقسامات في جيشه، ولا الى تشرذم في جهازه الإداري او الدبلوماسي، وانه لا يزال يتمتع بحيثيّة شعبيّة وسياسيّة تجعله رقما صعبا لا يمكن تجاوزه عند البحث عن أية حلول سياسيّة جديّة تعيد الاستقرار الى بلاده.