أبلغ الثنائي الشيعي (الوزير علي حسن خليل والنائب علي فياض) رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، خلال اجتماع الرباعية أول أمس، أنه غير موافق على الصيغة المختلطة لأسباب مبدئية وتقنية جعلت هذا الاقتراح اقتراحاً غير متماسك ولا يحتكم إلى قواعد محدّدة، فضلاً عن وجود بعض الأعطاب فيه غير قابلة للحلّ، مثل اقتصار محافظة الجنوب على مقعدين (كاثوليكي وشيعي) في الدائرة على النسبية، وفق حاصل انتخابي لم يقارب 200 ألف للمقعد الواحد. وهي مسألة غير منطقية ويتعذّر تطبيقها من الناحية العملية.
لم يُنهِ هذا الموقف نقاش اللجنة الرباعية، إنما دفعه باتجاهات جديدة. دفعه أولاً باتجاه صيغة التأهيل والنقاط العالقة فيها. النقاط العالقة تتعلق بعتبة التأهيل وحجم الدائرة. دفعه ثانياً باتجاه خيار النسبية الكاملة ولو في حدّه الأدنى الذي تعبّر عنه صيغة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي القائمة على تقسيم لبنان إلى 13 دائرة على أساس النسبية.
فتح النقاش في قصر بسترس، على أفكار جديدة خلاقة ومن خارج السياق، تنطوي على اقتراحات نوعية تمّ الاتفاق على بلورتها وتطويرها، بهدف نقاشها على المستويين التقني والسياسي. شارك مدير مكتب الرئيس سعد الحريري نادر الحريري، بحسب ما علمت "البناء" في طرح هذه الأفكار، من دون أن يتمسّك بأيّ منها. أداء التيار الأزرق خلال الاجتماعات يتسم بالتحفظ وإبداء ملاحظات والانتظار.
أعاد البحث في الطروحات الجديدة تزخيم الرباعية. اتفق أعضاؤها على استكمال اجتماعاتهم التي من المفترض أن تلتئم مجدّداً، في غضون الأيام المقبلة، للبحث في الأفكار المطروحة قيد التداول. يجري الحديث عن صيغة مشابهة لصيغة حكومة ميقاتي بدوائر أقلّ تتراوح بين سبع وتسع دوائر.
وبانتظار أن يبدأ النقاش بهذه الأفكار لتلمّس طريق حقيقي لإمكانية توافق، يرى مصدر على صلة بدراسة قانون الانتخاب لـ"البناء" أنّ الرباعية ستواجه عشرة أيام حاسمة إما أن يولد فيها قانون جديد، وإما أن ترفع الأحزاب اللبنانية الراية البيضاء أمام العجز عن الوصول إلى قانون انتخاب جديد.
اجتمعت اللجنة بضغط وحضّ من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون على إقرار قانون انتخاب جديد، لا سيما بعد موقفه اتجاه الشغور البرلماني وتفضيله الفراغ على التمديد والستين.
لكن ماذا لو فشلت المشاورات؟ هل موقف الرئيس عون هو موقف استراتيجي لا يمانع من الوصول إلى الفراغ؟ أم أنه موقف تهويلي بهدف الضغط على القوى السياسية؟
يؤكد المصدر نفسه لـ"البناء" أنّ قوى وازنة كحركة أمل، وتيار المستقبل، والحزب التقدمي الاشتراكي، وربما حزب الله، ترفض نظرية الفراغ، وتعتبرها لعبة شديدة الخطورة.
وعليه، فإنّ لبنان، وفق المصدر نفسه، أمام أزمة خيارات. مخاض المفاوضات الانتخابية سيُفضي إلى احتمال من ثلاثة احتمالات: إما الستين، إما الفراغ، وإما معجزة ولادة قانون جديد ضمن المهلة المتبقية.
هل يريد الرئيس عون الفراغ؟ وهل يتحمّل وزره؟
لم يضع رئيس الجمهورية أوراقه كلها على الطاولة. يؤكد مصدر مقرّب منه لـ"البناء" أنّ ما يهمّ فخامة العماد إقرار قانون جديد واجراء الانتخابات. سيوقع على أيّ اقتراح أو مشروع تتفق عليه اللجنة الرباعية. يبدي ارتياحه لكلّ الصيغ. لن يأخذ طرفاً في بداية عهده، لكن عدم توصل الأطراف المعنية إلى توافق، سيدفع به إلى السير بالنسبية الكاملة. الكلمة الأخيرة له في النهاية. فلسفة النسبية هي الأعدل، لكونها لا تُقصي أحداً. الأقلية تمثّل وفق حجمها والأكثرية كذلك.
وفق المعنيين أمام رئيس الجمهورية سيناريوين. الأول يقول إنّ الرئيس عون لن يقف حجر عثرة أمام إجراء الانتخابات، وفق الستين، في حال تفاهمت القوى السياسية كافة على الاستعانة بالقانون النافذ لمرة جديدة ووحيدة. فلا يمكن للعهد أن يحدث إشكالية كبيرة ويتسبّب بأزمة تعطل مفاعيله الإيجابية، بخاصة أنه من المفترض إدارة المرحلة بشيء من الاستقرار.
الثاني يشير إلى أنّ الرئيس الجنرال تستهويه سيناريوات التحدي. فهو يذهب إلى أقصى المواجهات. في الحقبة الماضية تصادم مع السوريين. رفض الذهاب إلى الطائف، متحدياً المجتمعين الدولي والإقليمي وأصدر يوم 4 تشرين الثاني 1989 مرسوم حلّ مجلس النواب، بغضّ النظر عن أنّ هذا المجلس اجتمع في اليوم التالي وأقرّ وثيقة الوفاق الوطني. وفي الماضي القريب تمكّن الجنرال من أن يصبح رئيساً، رغم كلّ الفيتوات الغربية والخليجية. بناء على ذلك، يزداد الرئيس عون اليوم، وفق المعنيين، تشبّثاً بطروحاته. لن تشكل استنسابية بعض الفرقاء الطائفيين عائقاً أمامه للولوج إلى إنتاج قانون انتخاب جديد يقوم على النسبية ويلبّي تطلعاته.