كان لافتًا أن تدافع دول الخليج عن الاجراءات التي قام بها الرئيس الأميركي دونالد ترامب بحظر مواطني سبع دول من السفر الى الولايات المتحدة ، فالقرار هذا يعتبر مسًا بحقوق الانسان الاساسية التي تمنع التمييز على أساس الدين أو العرق أو الجنس الخ...
ولقد حاول البعض إيجاد مبررات تخفيفية لترامب، بالقول أن العنصرية متفشية أيضًا في الكثير من الدول الاسلامية تجاه غير المسلمين، إلا أن هذا لا ينفي كون القرار لم يقم تمييزًا بين مواطني جنسيات الدول السبع المشمولة بالقرار، ولم يترك الباب مفتوحًا أمام الأشخاص الذي يحتاجون الدخول الى الولايات المتحدة للدراسة أو كسياسيين أو حتى كرجال أعمال مستثمرين. كما لم يميّز القرار بين مواطن وآخر على أساس سجّله الإجرامي، بل اعتبر ان جميع مواطني هذه الدول هم "ارهابيون محتملون" وهذا التعميم يعدّ خرقًا لحقوق الانسان الأساسية.
وبكل الأحوال، وفي قراءة لما قام به الرئيس الأميركي لغاية اليوم، والاتصالات التي قام بها بالمسؤولين في الدول الأخرى، وما رشح من مواقفه، فإن سياسته الشرق أوسطية تبدو - لغاية الآن- على الشكل التالي:
1- قرار ثابت ببناء شراكة استراتيجية مع موسكو، والتعاون مع الروس لمكافحة داعش على أن تقوم السعودية ودول الخليج بتمويل هذه الحملة.
- الاتصال بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ثم بالملك السعودي وعدم اتصاله بأردوغان ، يعني أن الرئيس الأميركي الجديد ، قرر أن يسير بعكس ما سار به أوباما وهيلاري كلينتون في بداية عهد أوباما، أي محاولة فرض نموذج "الاخوان المسلمين" التركي على الشرق الاوسط، و"أخونة" الدول العربية، وإعادة فرض العثمانية الجديدة على العالم العربي.
وبالرغم من أن العلاقات عادت وتوترت بين أوباما وأردوغان على خلفية فشل مشروع الاطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، إلا أن أوباما في نهاية عهده لم يحسم الأمر نحو أي من الحليفين الاستراتيجيين (الأكراد والأتراك)، واستمر ممسكًا العصا من وسطها. أما ترامب، فقد أهمل اردوغان كليًا، وقامت الولايات المتحدة بإمداد "قوات سوريا الديمقراطية" «مدرعات» (أس يو في) للمرة الأولى في تاريخ الصراع العكسري في سوريا. وبالرغم من أن مسؤولاً أميركيًا تذرع بأن الأمر يأتي تنفيذاً لقرار اتخذته إدارة الرئيس السابق باراك اوباما وليس بناء على قرار جديد اتخذه الرئيس دونالد ترامب، لكن ترامب كان قد ألغى العديد من القرارات التي اتخذها اوباما، وكان يستطيع أن يفعل ذلك لو لم يكن موافقًا على الدعم العسكري للأكراد.
- الاعلان عن درس امكانية إنشاء مناطق آمنة، لا يبدو موجهًا ضد النظام السوري، كما كان أردوغان يطالب في بداية الحرب على سوريا، بل إن إقامة هذه المناطق تبدو نوعًا من الحلّ حيث يبغي ترامب منه، حلّ مشكلة اللاجئين السوريين لعدم التوجه الى الغرب وخاصة الى الولايات المتحدة، ولإسقاط الذرائع الانسانية التي تدعو الى استقبال اللاجئين.
إذًا، لا يبدو ترامب عشوائيًا في سياسته الشرق أوسطية لغاية الآن، باستثناء القرار الشامل بحظر مواطني سبع دول من دخول الولايات المتحدة، الذي لم يكن مدروسًا بما فيه الكفاية، ولم يكن يشتمل على معايير واضحة تمّ الاستناد إليها لإتخاذ القرار. وخارج هذا القرار التنفيذي المجحف، ما زالت سياسته - لغاية الآن- مبشّرة لناحية تخفيف الصراع في سوريا، ومحاولة إطفاء الحريق الذي أشعله مشروع "الإخوان الامبراطوري" الذي أرادته إدارة أوباما تحت مسمى "الربيع العربي".