كان لافتاً في الآونة الاخيرة ردود الفعل التي ظهرت على قرار الرئيس الاميركي الجديد دونالد ترامب بمنع دخول مواطني سبع دول (ايران، العراق، ليبيا، الصومال، السودان وسوريا) الى الولايات المتحدة الاميركية مدّة 90 يوماً، وتخفيض عدد اللاجئين المسموح باستقبالهم على الاراضي الاميركية عام 2017 من 110 آلاف لاجىء الى 50 الف شخص.
اللافت في الردود هو ان الدول الغربية والاجنبية وبالاخص في اوروبا، هاجمت القرار بشراسة كبيرة وانتقدت بشدّة هذا الامر، فيما كانت الدول العربيّة غير معترضة، لا بل مرحّبة ضمناً بقرار ترامب. يعتبر البعض ان الاندفاع الاوروبي الرافض لا ينبع من محبة لمواطني هذه الدول، بقدر الانزعاج من عدم امكان خروج لاجئين من هذه الدول موجودون حاليا ًفي اوروبا، الى الولايات المتحدة، وهذا امر يقلق الاوروبيين ويزيد من هاجس ما يسمونه "خطر اللاجئين" عليهم على الصعيدين الامني والاجتماعي. ولكن، لا يمكن اغفال ان هذا السبب لا يعتبر اساسياً، فاميركا كانت حدّدت عدد استقبالها للمهاجرين للعام الحالي بـ110 آلاف لاجىء، وهو رقم صغير نسبياً نظرا ًالى العدد الهائل للاجئين. ولكن الخشية الاوروبية لا تنحصر بالعام الجاري، بل بالمبدأ الذي ينطلق منه الرئيس الاميركي والذي يهدد باقفال الباب امام طالبي الهجرة الى اميركا ليس فقط من الدول السبع التي تم تحديدها، بل من دول اخرى قد تظهر تباعاً خلال المرحلة المقبلة، ما يعني ازدياد الضغط على القارة الاوروبية فيما خص موضوع اللاجئين او طالبي الهجرة.
في المقابل، انتظر الكثيرون اعتراض الدول الخليجية على القرار الاميركي، من منطلق اسلامي اولاً كون الدول المعنية هي ذات غالبية اسلامية، ومن منطلق تضامني، ثانياً لان الغالبية ايضاً هي دول عربية تنتمي الى الجامعة العربية وتشارك في نشاطاتها وستلتقي حول طاولة واحدة في آذار المقبل خلال القمة التي سيستضيفها الاردن، ناهيك عن قول ترامب انه سيعطي الاولوية للأقليات الدينيّة التي تواجه اضطهادا في أوطانها وبالتحديد للمنتمين الى الطوائف المسيحيّة.
ويأتي هذا الصمت المريب والقريب الى الترحيب بهذا القرار، لسببين أساسيين: الاول انه يضع الولايات المتحدة الاميركيّة على مسار المواجهة مع ايران مجدداً وهو امر يرضي الخليجيين بشكل كبير، كما انه يبعد الانظار الاميركيّة عنهم في المرحلة الراهنة في ما خص موضوع المسافرين، اضافة الى انه يفتح الباب امامهم للتقرب من الادراة الاميركية بعد ان وجدوا انفسهم بعيدين عن الادارة السابقة التي اعطتهم اسباباً عديدة ليشعروا انهم باتوا في الصف الثاني من ناحية الاهتمام.
وتأتي الخطوة الخليجية بمثابة فتح باب امام عودة الدخول الاميركي الفاعل الى المنطقة، والمساندة في المشاكل التي لا زالت تلقي بثقلها ان في اليمن او في العراق وليبيا، بعدما اصبحت سوريا موضوعة على سكّة الحل بقرار روسي وبغطاء اميركي. وليس من مصلحة الدول العربية والخليجية بنوع خاص الوقوف في وجه ترامب حالياً، ومن المؤكد انه لو اتخذ هذا القرار في ظروف أخرى تعيشها المنطقة والدول العربية، لكانت الانتقادات (الخفيفة حتماً) قد توالت، ولكان الحديث بدأ يدور عن استهداف للمسلمين وللعرب، وان هذه الدول مستقلّة ويجب احترام القوانين الدولية في التعاطي معها، وكان يمكن الاعتماد على مواقف الامم المتحدة والدول الاوروبية المنددة بالقرار الاميركي لتشكيل "جبهة" اعتراض موحدة.
ويبدو وفق ما يظهر، ان المصالح الخاصة بكل دولة تفوقت بكثير على المصلحة العامة للدول العربية، وهو امر ليس بمستغرب. وبمعزل عن كل هذه الامور، يبقى من المنصف القول انه يحق لكلّ دولة ان تستقبل من تشاء على أرضها، ولكن يجب ايضاً احترام التضامن الدولي ولو بنسبة قليلة.