تجهد القوى السياسية في الوقت المحتسب بدل عن ضائع لاقرار قانون انتخابي يراعي صحة التمثيل، بعد الرفض الشعبي والفيتو السياسي على قانون الستين، فبين الرفض الاشتراكي الجنبلاطي لأيّ قانون نسبي يطرح واعتباره محاولة اقصاء رغم العمل على مراعاته في الجبل، وبين التشدد الرئاسي الذي ينتهجه الرئيس ميشال عون انطلاقا من خطاب القسم لاقرار قانون انتخابي جديد يلحظ النسبيّة، تبقى الامور عالقة بإنتظار الدخان الابيض مع كثرة المشاريع المطروحة والاجتماعات المكثّفة للجنة الرباعية التي لم تصل بعد الى نتيجة حتى الساعة بظل سفر وزير الخارجية جبران باسيل الى افريقيا وسفر الرئيس عون في منتصف شهر شباط الى مصر.
المهل الدستورية والقانونية اصبحت كحدّ السكّين مع مرور الوقت، ونحن امام اما اجراء الانتخابات وفق القانون الحالي او وفق قانون اللحظات الاخيرة او الذهاب نحو الفراغ بعد الاجماع على رفض التمديد، ومن اجواء الفراغ عادت الدعوات الى مؤتمر تأسيسي حول مستقبل لبنان بعد فشل الصيغ الحالية في ايجاد حلٍّ للازمة السياسية.
اصرار رئاسي
المحلل السياسي ادمون صعب يشير الى ان هناك امكانية لاقرار قانون جديد للانتخابات لأجل أمر واحد هو اصرار رئيس الجمهورية على ذلك، لانه يعتبر الموضوع جزءا من خطاب القسم، والحركة السياسية التي تحدث بسبب ضغط موقف الرئيس بعد تلويحه بالفراغ، ويوضح ان الرئيس عون هو ابن المؤسسة العسكرية وحامي الدستور الذي يعتبره انه ليس موضوع انشاء يمكن مخالفته او التغاضي عنه.
ويلفت صعب الى ان اتفاق الطائف كان حين أُقرّ مشروعا مستقبليا للبنان، والذي يتضمن الخطة الوطنية لالغاء الطائفية السياسية، واجراء انتخابات خارج القيد الطائفي، موضحا الى ان الطائف محطّة انتقالية نحو لبنان الجديد، وحصر الطوائف في مجلس الشيوخ، ولو أُخِذ بالطائف حينها ونُفِّذ لم نكن لنصل الى هنا.
الصحافي والمحلل السياسي علي الامين يلفت من جهته الى ان هناك ثوابت للبحث في قانون الانتخاب لدى القوى السياسية، وهذه الثوابت وضعتها هذه القوى نفسها، وهو انه لن يتم اقرار قانون انتخاب جديد الا بالتوافق، واعتقد ان هذه الوجهة منطلقة من ثابتة اخرى وهي ان الاطراف السياسية في السلطة لا تريد استبعاد احد منها أي ان جميع قوى السلطة لها حصة. مع الاشارة الى وجود فرق بين تمثيل الطوائف والمذاهب وتمثيل أهل السلطة حاليا.
ويرى انه انطلاقا من هاتين الثابتتين يمكن ايجاد صيغة جديدة لقانون الانتخاب لتُجرى على اساسه الانتخابات، ويستبعد في السياق الوصول الى الفراغ على صعيد السلطة التشريعيّة، ويعتبر الامين ان النقاش السياسي الدائر اليوم هو تواطؤ مشترك بين جميع القوى السياسية على استنفاذ الوقت بشكل يبدو من الصعب الوصول الى صيغة توافقية مقبولة لاحقا، وعليه يتم التوافق على صغية مشوّهة لاجراء الانتخابات النيابيّة، والحجة دائما هي ضيق الوقت للقبول بهكذا قانون.
حاجة او اعلان حرب؟
يشدّد ادمون صعب على اننا بأمس الحاجة الى مؤتمر تأسيسي لاننا على عتبة دخول القرن الثاني على حياة الوطن اللبناني والذي أُسِّس عام 1920، ويرى ان ليس بالضرورة ان يكون المؤتمر تاسيسيًّا بل مؤتمر مراجعة للكيان... والحاجة اليوم ان يجلس كل اللبنانيين مع بعضهم لمعرفة ان كانوا يريدون الاكمال سويًّا او كل مجموعة في كانتون خاص بها.
وجدّد صعب التأكيد على اننا بحاجة ملحّة لمؤتمر وطني لمراجعة القرن الماضي من عمر الكيان، والتفاهم على طريقة الانتقال الى القرن الثاني ليأتي المجلس العتيد وفقا لهذا التجديد، فبعد كل الخلافات والصعوبات التي يواجهها السياسيون يجب ان نصل الى حل يعود الى الشعب لاخذ القرار النهائي.
في السياق ذاته اعتبر الامين ان الوصول الى قانون انتخابي صعب جدا، فكيف اذا كان بالموضوع يتعلق بالمؤتمر التأسيسي، مشيرا الى ان هذا الموضوع هو نوع من انواع التهويل ليس اكثر او الذهاب الى الخراب، واذا كان هناك حاجة الى مؤتمر تأسيسي فبالتأكيد ان هذه القوى السياسيّة الحاضرة ليست هي المناسبة لانعقاد هذا المؤتمر، وأكد الامين بلغة جازمة ان "المؤتمر التأسيسي هو اعلان حرب في لبنان وليس بغاية ايجاد حلول، وهو يزيد من تعقيد الاشكالات في البلد.
وفي ظل الجولات والاتصالات السياسية تبقى الانظار متّجهة الى قانون جديد هو محط آمال وتطلعات الاجيال الصاعدة، على أمل ألا تكون حالنا كحال المثل القائل الشهير "تمخّض الجبل فولد فأرا".