يستمر رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في رفع منسوب الضغط ليصل أهل السياسة الى قانون انتخابي جديد يضمن الحد الادنى من التمثيل لشرائح المجتمع اللبناني كافة.
ما نراه اليوم هو ابشع صنوف الهرطقة والعربدة السياسية والتشبيح وانطلقنا من مفهوم ميثاقية الطوائف الذي ينص على النظام السياسي الطائفي اللبناني ونص عليه الدستور والميثاق الوطني، الى نوع رديء جداً من هيمنة الاشخاص على الاحزاب والطوائف معاً.
ولطالما ارتضينا غصباً بأن نبقى في نظام طائفي بغيض بمعنى ان يكون العمل السياسي طوائفياً ويراعي التوازنات الطائفية، وتُنص القوانين وانظمة الحكم على اساس احجامها وهواجسها وحصصها، فعلينا ان نسلم بالامر الواقع لستة اعوام جديدة وهي ولاية مجلس النواب المقبلة حتى يتغير الشعب وينتفض ليغير الطائفية من النفوس قبل النصوص. وبعيداً من الاشعار والاستظهارات والوطنجيات والمزايدات، فالشعب اللبناني ليس مغلوباً على امره ولا ينقصه لا الوعي ولا الادراك كي يبقى نائماً ومبنجاً طيلة 24 عاماً. وان يقبل باستمرار التطبيق العقيم للطائف وان تبقى الطائفية موجودة و"مقدسة"، وان لا تُلغى الطائفية السياسية وان يُفصل الدين عن الدولة ونظام الحكم. وفي انتظار ان يستفيق اللبنانيون "علمانياً" ليبنوا دولة عادلة وقادرة ودولة مؤسسات وقانون على اساس المواطنية لا الطائفة والمذهب، هناك فرصة اليوم لنعود عن خطايانا ودنس تقاعسنا ورجس ذنوبنا ونجاسة التقاعس والتخاذل. فجميعهم يحاربوننا بلقمة العيش وبالوظيفة والصحة والطبابة والكهرباء والماء والسكن، وغيرها من قضايا الحياة المعيشية. فلم يتغير شيء منذ العام 1992 بل غصنا في مزيد من الانحدار والفساد والسرقات وارتفاع الدين العام.
نعم نحتاج رئيساً كميشال عون بعيداً من الطوباوية او القداسة ونعرف ان صلاحياته محدودة وان النظام ليس رئاسياً او ملكياً بل برلمانياً يفصل بين المؤسسات الثلاث، لكنه يتطلب حكماً ان تكون منتظمة ومتوافقة في العمل والتشريع واتخاذ القرار وخصوصاً في القضايا المصيرية.
وليس هناك اكثر الحاحاً من قانون الانتخاب الجديد الذي سيشكل السلطة المقبلة وسيعيد التوازنات السياسية، والتي ستبقى مرهونة بدورها بالاحجام والتوازنات الطائفية والمذهبية لكل القوى.
التلويح العوني الرئاسي بالفراغ الدستوري محصور بإصرار البقية، او البعض على التحايل والتلاعب بالقانون الانتخابي وتقطيع الوقت لتأجيل الانتخابات تمديداً او استنساخاً للمجلس الحالي بالستين المقيت.
وبالامس لوح الرئيس عون بالاستفتاء الشعبي على القانون. في حالة عدم التوقيع يملك الرئيس حق النقض الميثاقي فلا يمكن لقانون الانتخاب بحكم كونه قانوناً اساسياً ان يمر من دون توقيعه، ولا يمكن ان يعتبر نافذاً بحكم الميثاقية التي يوفرها توقيع الرئيس والذي "يساقب" انه ماروني في لبنان اليوم.
اما في حال الاستفتاء الشعبي، فإن الحال اصعب فلا نص دستوريا اليوم يسمح بالاستفتاء ما يعني اننا امام تعديل دستوري ليس في متناول اليد لا اليوم ولا غداً.
وبناء على ما تقدم بتنا في حاجة اليوم الى وقفة جادة من الجميع: من الرؤساء الثلاثة الى كل القوى السياسية والحزبية والمجتمع المدني والاهلي.
فأقل الايمان ان يقر قانون انتخابي عادل يسمح بتمثيل كل شرائح المجتمع اللبناني وليكن على اساس النسبية وتوسعة الدوائر وليربح من يربح وليخسر من يخسر. فليست المواقع النيابية والطوائف ملكاً لاحد ولا يمكن لاحد ان يفرض رأيه وسطوته على طائفته، ليورث نجله او اخيه او زوجته او صهره او ان يكون الحزب توتاليتارياً ومحكوم بقبضة حديدية، الموت اهون فيه من مخالفة التوجيهات او ان نحول الاحزاب الى ملكيات عائلية واضحة وغير مقنعة.
امامنا اليوم في لبنان وامام الجميع مهلة 10 ايام ليكونوا ولو لمرة واحدة رجال دولة وان يقروا القانون المطلوب. وامام الشعب اللبناني فرصة ذهبية واخيرة ليخرج من نومه وبنجه المستمر. فالفراغ ممنوع وخطير، واذا فعلاً كانت النوايا ايصالنا الى هذا الفراغ فليكن. وليدفع الجميع ثمن هذا الاستهتار المتمادي. وعندها فلتكن الفوضى العارمة، ولتعد الازمات ولنذهب الى نفق مظلم قد لا نخرج منه هذه المرة ولا بأي طريقة. الخيارات كلها امامكم فاختاروا اسلمها، فإما القانون الذي يحفظ الحد الادنى من ماء الوجه وإما الفوضى والفراغ....